مستشار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
يتحدث كثير من الزملاء في أروقة الجامعات والمراكز البحثية عن البحث العلمي ووجوب زيادة الانفاق عليه لردم الهوة بين واقع البحث العلمي في الدول المتقدمة وواقعه في الدول النامية. وهذه حقيقة حيث ان معدل الاتفاق السنوي على البحث العلمي تصل نسبته ما بين 2 الى 5.3% من مجمل الناتج المحلي،لبعض الدول المتقدمة، للوصول الى الابتكارات الجديدة التي تساهم في الصناعة والانتاج العالمي، او لاكتشاف علاج لمرض ما، او لتحسين بيئة صحيا او اجتماعيا اقتصاديا، او غيرها. علما ان معدل الانفاق ،في اسرائيل، قد وصلالى 4,7% من ناتجها القومي عام 2008.
كذلك المؤسسات التجارية والصناعية غير الحكومية في كثير من الدول المتقدمة تنفق ضعفي ما تنفق الحكومة على البحوث في مؤسسات التعليم العالي والمراكز البحثية، ومن هنا يجب ان نضع السؤال امام جميع الباحثين، من تدريسيين اكاديميين وطلبة دراسات عليا ومهنيين من ذوي الشهادات العليا في مؤسساتنا العلمية العراقية كالجامعات والمراكز البحثية الحكومية او غير الحكومية، عن مدى اعتماد بحوثهم العلمية ضمن منظومة عملية الاصلاح الشامل او حل بعض المشاكل الاقتصادية او الصحية او الاجتماعية او البيئية او التعليمية او غيرها في عراقنا الجريح. والجواب للأسف ان بعضهم لا بل كثير من اكاديمينا، لم يخطط للبحث العلمي كحاجة او ضرورة لعملية اصلاح اوتنمية مجتمعية او لحل مشكلة ، بل الذي عليه،وكما هي العادة، هو وضع معايير للبحث المقبول لغايات الحصول على الشهادات العلمية كالماجستير والدكتوراه او لإغراض الترقية العلمية من دون معرفة الاتجاه الذي يخدم الاصلاح او التنمية ،وبما يفسر العلاقة بين مؤسسات التعليم العالي وغيرها من مؤسسات القطاعين العام والخاص اومنظمات المجتمع المدني.
ان النماذج والامثلة للبحوث العلمية الوطنية،التي يمكن اعتمادها، كثيرة ولكن يمكن التنويه لبعض منها وبخطوط عريضة ،ولبعض المجالات والقطاعات التي يمكن ان تعتمد نتائجها كمصادر للبحوث العلمية العالمية ، هي البيئة العراقية وتحسينها بعناصرها الثلاثة ( الهواء ،الماء والأرض ) او استثمار مصادر الطاقة النظيفة العراقية او الدراسات لتحسين الطرق والجسور او الدراسات للقضاء على التصحر في العراق او الدراسات لتوفير المواد الاولية لقطاعات البناء او بعض الصناعات الاخرى الوطنية او استثمار المنتجات الزراعية الوطنية في مختلف الصناعات الغذائية او غيرها والامثلة كثيرة. وبالتركيز على نقل وتوطين وإنتاج التكنولوجيا الصناعية حيث ان احتياجات المجتمع التي تتزايد وتتعدد وتتنوع صنوفها باستمرار مما يفتح أبوابا ومجالات للبحث والدراسة العلمية للوصول الى الطرق والأساليب لزيادة الانتاج او زيادة نوعية المنتجات وبأقل تكلفة وجهد بشري ممكن .ومن هنا ندرك مدى أهمية البحث العلمي للوصول الى الابتكارات العلمية التي ستكون في نفس الوقت احد عوامل التنمية البشرية.
علماً ان مساهمة التكنولوجيا في زيادة الانتاجية تتراوح بين 80-90% بالإضافة لمزايا اخرى تصب في عملية التنمية الاقتصادية لخفض التكاليف والاستغلال الامثل للمواد الاولية وجودة الانتاج بالإضافة الى منافستها للمنتجات المستوردة، ويمكن ان تكون ضمن الصادرات الوطنية الى الاسواق العالمية لتدر على البلاد بعض الاموال والموارد.
لذا يعد الاعتماد على المعرفة والبحث العلمي في بناء الاقتصاد والتنمية الصناعية من الضرورات القصوى . والعمل على انتاج تلك التكنولوجيا ،وليس فقط استخدامها وبذلك سيتم بناء وتأهيل القدرات وبالاعتماد على الذات والذي سيكون له الاثر الكبير على مجمل الاقتصاد الوطني.
ولذلك نوصي جميع الاكاديميين وطلبة الدراسات العليا،العراقية، باعتماد البحث العلمي الوطني الهادف والتطبيقي ،وبما يخدم احتياجات المجتمع وتنميته والتركيز على الجانب العملي في جميع مراحل التعليم والعمل على وضع الخطط والبرامج العلمية من أجل اعداد كوادر مؤهلة للدخول في كافة محاور الصناعة والإنتاج والتسويق وغيرها والذي لا يقتصر على التخصصات العلمية وانما يشمل جميع فروع وعناصر المعرفة.