ليس مطلوباً من أبومازن أن يبتسم للمساعي الدبلوماسية الفرنسية لاستصدار قرار من مجلس الأمن، يتضمن المبادئ الجوهرية للدولة الفلسطينية، وبالطبع نفهم الظروف الدقيقة التي تحيط بكل مسؤول فلسطيني، عندما تعلو الأفكار في فضاء الدبلوماسية، ونفهم الاندفاع، بحثاً عن ألغام تصاحب هذه المساعي.
يقوم وزير خارجية فرنسا بجولة في المنطقة عارفا بالصعوبات ومدركا للحساسيات ومتفهما للمخاوف وواقفا على شريط المزايدات، ومعتادا على ألاعيب رئيس وزراء اسرائيل، لكنه يأتي الآن حاملا تكتيكا فرنسيا يدرك بأن العالم ضجر من رئيس وزراء اسرائيل، وكره أساليبه واعتبرها نشازا في العلاقات الدولية، وهذا الشعور، مهما حاول البيت الأبيض خنقه، موجود لدى الرئيس أوباما ولدى مساعديه، وبهذا الواقع تدخل فرنسا، التي ترى شيئا من الأمل في احتمال تخلي أوباما عن دبلوماسية الحماية الأميركية الدائمة لاسرائيل.
ويعرف الوزير الفرنسي أن تحييد الموقف الأميركي داخل مجلس الأمن، والتأثير في صلابة الشراكة الأميركية ـــ الاسرائيلية يتطلبان عملا شاقا، لا بد أن يتشكل من عناصر تجعل أوباما يخجل من الاعتراض عليها، خاصة أنه متيّم بقانون القيم الذي يردده دائما في مداخلاته، لا سيما عن الاستثناء الأميركي والخاصية الأميركية الزاهية.
هل سينجح الوزير الفرنسي في استخراج مشروع مذهل في مضمونه وفي قيمه وفي أهدافه التي تحقق شيئا للشعب الفلسطيني المكافح؟!
هنا نتذكر دور القناصة ربما من الطرفين، قناصة اسرائيل ستصوب مدفعيتها، وهذا متوقع، لكن المطلوب من أبومازن في هذه اللحظات أن يكبح جرأة القناصة من جماعته الذين سيضعون مشروع القرار للتشريح ويهرولون إلى الجامعة العربية أو إلى جماعات متطرفة في الحظيرة السياسية الفلسطينية لتجنيدها لتصرخ وتهدد وتتوعد أبومازن بالمزيد من الاحباط وتزيده بؤساً على ما في ذخيرته من بؤس.
وأفضل أسلوب يناسب أبومازن الآن الهدوء والعمل الصامت مع العقلاء من قومه ومن العرب، وبالذات من الخليج والأردن، لينصحوه بترك الدبلوماسية الفرنسية مشغولة بهمومه وهموم شعبه وتسهيل عملها بصمت، والاستنجاد بالحكماء من سياسيين ومفكرين ورجال الدين في المساجد والكنائس، ليأخذ الله بيد الوزير الفرنسي، الذي تحول إلى نحّات، يسعى الى تصميم مشروع سياسي يستحي الرئيس أوباما من اسقاطه، وسيظل مصدرا لعذاب ضميره الدائم..!
هذه مهمة شبه مستحيلة، لكن الوزير الفرنسي الجديد يريد خرق غطاء المستحيل.
ظروف اليوم تشجع هذا المنحى، لأن العودة إلى الصيغ المعهودة لن تفتح للشعب الفلسطيني باب الأمل، ولن يحصل على حق الاعتراف من مجلس الأمن، وهناك برود في البيت الأبيض تجاه نتانياهو وزهق من عنصريته، ولعلها فرصة تستحق التشجيع، لتعطي أملاً للرئيس أبومازن، الذي عاش على الصبر ويتواصل بالحكمة، وينتظر الفرج، الذي قد يحل من حيث لا يحتسب.