EN | AR
67 عاما على نكبة فلسطين في 48م
الأحد, يناير 25, 2015
عبد الله بن علي العليان

 كاتب وباحث عماني ـ عضو منتدى الفكر العربي.

تمر هذه الأيام مرور 67 عاما على نكبة 1948، دون أن تتحقق القرارات الدولية أو التضمينات الغربية التي وعدت الفلسطينيين بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، حسب ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن في 2005،وهو الموعد لقيام هذه الدولة،كما لا تزال المواقف الإسرائيلية تجاه المستوطنات والانسحاب من الأراضي العربية الفلسطينية متوقفا، والممارسات المتطرفة للمستوطنين تجاه الشعب الفلسطيني في القدس وبقية الأراضي العربية الفلسطينية، وكأن الاتفاقات والتضمينات الأمريكية، والوعود بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة مجرد أوهام ليس حظ من التطبيق بعد أكثر 24 عاما على مؤتمر مدريد للسلام ، والأمر اللافت في الأمر، هو سكوت العديد المسؤولين الأمريكيين والغربيين عموما، بصورة تدعوا للغرابة عن هذه الأفعال والممارسات العدوانية والتنصل من الاتفاقيات والتطمينات !!، والى الآن ينعتون إسرائيل بالدولة الحضارية والديمقراطية. والاستيطان نشا في أحضان الدولة الإسرائيلية العبرية العلمانية عبر خمسة قرون أو يزيد، ووفرت لهم الحماية والبرامج ووسائل الإقامة الدائمة.و إذا عدنا إلى المصادر الأصلية للعنصرية الصهيونية ، نجد أن المشروع الصهيوني العنصري ولد في رحم الأفكار العرقية التي اجتاحت الساحة الأوروبية ، فعندما ظهرت مقولات الإنسان الغربي الأبيض المتفوق عرقياً وعقلياً وحضارياً ، ابتدع الصهيونيون مقولة شعب الله المختار ، ومثلما للغرب رسالة حضارية تمدينية ، فإن الصهيونية ستكون في وطنها القومي الجديد " في فلسطين رسالة حضارية وديمقراطية . وهذا ما ظهر في كتاب هرتزل في كتابه الشهير الذي صدر في 1896 [ الدولة اليهودية ] .

وقد تحركت الاستراتيجية الصهيونية العنصرية ـ كما يقول د / محمد عابد الجابري ـ على خمسة محاور رئيسية : ـ

ـ نشر الفكرة الصهيونية ( = إقامة دولة لليهود في فلسطين ) بين يهود العالم أجمع .

ـ إقناع الحكام في أوروبا بأهمية وجود دولة يهودية في فلسطين بالنسبة لمشاريعهم التوسعية وطموحاتهم الإمبراطورية ، مع استغلال التنافس القائم بينهم في هذا المجال .

ـ التغلغل في النظام الاقتصادي والمالي والإمساك بمفاتيحه في أوروبا والعالم .

ـ العمل على الهيمنة الثقافية داخل المجتمعات الأوروبية ، وفي أوساط اليسار والاشتراكيين خاصة ، بوصفهم يمثلون البديل المستقبلي .

ـ إقناع الدول الأوروبية المتنافسة على الشرق بأن قيام دولة يهودية في فلسطين سيكون بمثابة المسمار الأول والأساسي في نعش الامبراطورية العثمانية التي كان لها العداء لها ، هو القاسم المشترك الوحيد الذي يجمع الدول الأوروبية على كلمة واحدة .

إن نشاط الحركة الصهيونية على المحور الأول ( ربط يهود أوروبا بالمشروع الصهيوني المتمثل في إقامة دولة يهودية في فلسطين ) كان له هدفان متكاملان : كسب الأنصار للمشروع الصهيوني بين اليهود أنفسهم ، أعني العمل على صهينة يهود أوروبا من جهة ، وتجنيد الرأي العام الأوروبي لصالح قضية اليهود بوصفها قضية مضطهدين محرومين : مضطهدين في البلدان التي يعيشون فيها ، ومحرومين من وطن خاص بهم . وإذا نحن ترجمنا ذلك إلى لغة ذلك العصر ، لغة الحداثة ومفاهيمها ، صارت قضية الصهيونية هي قضية شعب يعاني من اللامساواة ، محروم من حقه في أن يكون أمة ذات وطن ودولة . فالقضية إذن قضية عادلة من منظور الحداثة ، إذ هي قضية العقلانية ( الأمة ) والديمقراطية ( المساواة ) . أما السؤال : على حساب من سيكون تحقيق مطامح اليهود " المشروعة " هذه ؟ فذلك سؤال ـ كما يقول الجابري ـ لم يكن من المفكر فيه في أوروبا ، ذلك لأن فلسطين وما يجاورها هي بالنسبة لأيديولوجيا الحداثة الأوروبية من تلك المناطق التي تسكنها أقوام هم في حاجة إلى نشر " الحضارة " بينهم . وهكذا تجد القضية الصهيونية مكانها في النظام الفكري للحداثة الأوروبية كعنصر من عناصره :إن شعارات المساواة ، والحق في الوطن ، ونشر الحضارة ، وحق اليهود في وطن قومي ، عناصر تشكل بنية واحدة تجد مضمونها اللغوي في العبارة التالية : قيام وطن قومي لليهود في فلسطين سيمكنهم من ممارسة حقهم في المساواة وفي أن يكون لهم وطن ودولة مما سيجعل منهم أمة تنشر الحضارة في منطقة مهمة من العالم . إذن فالصهيونية كمقولة فكرية سياسية وحضارية لا تتناقض مع مقولات الحداثة الأوروبية في القرن التاسع عشر ، بل بالعكس تتكامل معها .

ويقول هرتزل في كتابه [ الأرض القديمة الجديدة ] " إن اليهود لن يفعلوا شيئاً للأرض القديمة الجديدة ( فلسطين ) سوى نقلهم المؤسسات المتحضرة إليها " . ومثل هذه المزاعم وجدت صداها في الغرب ، ليس فقط لاتساقها مع الفكر الذي دأب على التهوين من شأن الآخرين ، وإنما أيضاً لأن الغزوة العنصرية الصهيونية جزء ضئيل من الذين أنتجوا هذا الفكر .

مؤدى ذلك ، أن العنصرية الأوروبية وصعود الدارونية الاجتماعية ، كانت الموجه الفكري للمد الاستعماري وحركة التوسع الاستعماري . وقد ارتبطت الصهيونية بهذا المد ارتباطاً حميماً . فالصهاينة الأوائل أيدوا الغزو الفرنسي للجزائر .

وقبل هرتزل بكثير ، كان موسى هس قد دعا إلى الاستحواذ على أرض قومية مشتركة  لليهود ، كشرط ضروري لتأسيس مجتمعات زراعية وصناعية وتجارية تطبق المبادئ اليهودية " وبهذه المجتمعات تستطيع الأمة المستعادة أن تقوم كحارس على ملتقى القارات ومعلم للشعوب الشرقية المتخلفة " .

هس هنا ، يتخيل دوراً خاصاً للدولة اليهودية داخل إطار التمدن والتحضر الذي تضطلع بهما دول الغرب في ركاب فتوحاتها وغزواتها . وفكرته هذه هي التي سيصوغها هرتزل بعد ذلك في وصف الدولة اليهودية بأنها " سويسرا اليهودية " التي تقوم كنموذج ومثال لليبرالية الأرستقراطية بين أمم الشرق المتخلفة .

الآن وبعد أكثر من مائة عام على تصورات آباء الصهيونية الأوائل ، نلاحظ أن قضية الاستعلاء الاستعماري العنصري ما زالت إحدى لوازم الحركة الصهيونية ودولتها الاستيطانية . فعندما يتحدث القادة الصهاينة عن  (الشرق الأوسط الجديد) ، كما هو شيمون بيريز في كتابه المعنون بذلك ، فإنهم يعيدون إنتاج مقولات المؤسسين عن التفوق اليهودي ورسالة تحضير أو تمدين الآخرين ـ الذين هم العرب ـ في ظروف إقليمية ودولية مغايرة .

وإذا بحثنا عن الأفكار الأساسية للصهيونية العنصرية في هذه المقولات ، نجد أن ممارساتها العنصرية واضحة وغير خفية عن العالم أجمع ، وهذا ما جعل تنظيف المدن الفلسطينية من الإنسان الفلسطيني ، لا يختلف عن تنظيف الأمكنة الوعرة من الهوام والحشرات السامة . وعلى هذا فإن الصراع لا يدور بين خصمين أو قوتين تنتميان إلى عالم واحد ، بل بين عالمين مختلفين أو بين تاريخين مختلفين ، يقول بيغن : ينبغي أن ندرك أنه لا مكان في هذه البلاد لشعبين ، إن الحل الوحيد هو فلسطين بلا عرب ، وليس هناك سبيل غير طرد العرب إلى البلدان المجاورة . طردهم جميعاً بلا استثناء . وينبغي ألا تبقى هنا أية قرية و لا أية عشيرة . تعكس المفاهيم الصهيونية ذاتها حتى على مستوى الكلمات والمفاهيم ، فبعد أن يقول بيغن بـ " شعبين " لا يلبث أن يستدرك فيقول بـ " القرية " و " العشيرة " وهما ينتميان إلى تاريخ اجتماعي ساذج ومتخلف . أضف إلى ذلك أنه يستعمل كلمة طرد التي تتضمن معنيين : عدم إمكانية العيش مع فرد أو قرية فلسطينية من ناحية ، ومعاقبة المطرود من ناحية ثانية ، فهو غير مرغوب فيه وجدير بالعقاب والاضطهاد .

إن الاستيطان الإسرائيلي المستمر، وإلى الأسابيع الماضية.. أن الدولة العبرية ليست جادة في السلام العادل، وان اللقاءات والمفاوضات في السنوات الماضية مجرد تسويف وتمييع المواقف، للمراهنة على الضعف والتشتت والانقسام الفلسطيني والعربي، لتمرير مشاريعها في التهويد وتكريس الاحتلال الذي تؤكده الوقائع والممارسات على الأرض.

والحقيقة أن القيادات الفلسطينية للأسف أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية، بسبب الصراعات والخلافات على سلطة وهمية، في ظل الاحتلال وتمدده، وألان برزت قضايا ومشكلات عربية،جعلت القضية العربية الأولى، في الدرجة الأخيرة، والسبب  الأكبر في ذلك هى القيادات، وإسرائيل تعيش في أزهى أيامها بسبب التصدع الفلسطيني، والصراعات العربية، وإذا لم يلتئم الفلسطينيون، ويعززوا جهودهم الوحدوية، فان القضية الفلسطينية في خطر كبير، لأن اليمين الإسرائيلي يراهن على هذا التصدع وهذا الخلاف، ليحكم السيطرة ، وبرفض الحقوق العادلة.!

اللهم هل بلغت ، اللهم فاشهد.

 

 

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©