الخُفش: لابد من استراتيجية عربية جديدة لبناء القدرات الاقتصادية والسياسية أمام المتغيرات العالمية
د. أبوحمور: الشرق الأوسط منطقة صراعات والعرب يفتقدون مشروعهم المشترك للتغيير والنهوض
د. أبوحمور: دخول العصر الجديد يتطلب تعزيز قوة الفكر والمبادرة والعمل بأهداف واضحة ومحددة
د. أبو حمور: التخطيط المشترك للمستقبل بمنهج علمي قائم على الحوار وتجنب الفردانية والتقوقع واليأس
عمّان- ناقش لقاء منتدى الفكر العربي، مساء الأحد 6/8/2017، وتحت عنوان "خرائط الشرق الأوسط الجديد والمسارات المتوقعة"، المخاطر السياسية والمتغيرات الإقليمية وانعكاساتها على الواقع الاقتصادي والاجتماعي ومصالح الشعوب العربية، وتناول رئيس مرصد برنامج الاقتصاد السياسي د. أنور الخُفش في محاضرته مشروع الشرق الأوسط الجديد، والنظام الدولي وعناصر التحكم فيه، وتجديد التحالفات الأمريكية ومواقف الدول الفاعلة، والنظرة المستقبلية لاتجاهات المسارات المتوقعة، وموقع العرب من التحولات الجيوسياسية الدراماتيكية المتسارعة.
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي د. محمد أبوحمور، الذي أشار في كلمته إلى أننا نعيش في منطقة من العالم تتسم بأنها منطقة صراع ومنطقة غير مستقرة، ومُعرّضة باستمرار للحروب والنزاعات؛ فضلاً عن أهميتها الجيوستراتيجية على الخريطة العالمية، ولاحتوائها على أكبر احتياطيات البترول والغاز في العالم. وهي منطقة في الوقت نفسه تعاني من انقسامات مختلفة المظاهر والأشكال؛ ومن تنمية تعرضت لانقطاعات متعددة في مساراتها، بسبب تأثير النزاعات والصراع العربي الإسرائيلي والتنافس العالمي على ثرواتها، إضافة إلى الاضطرابات والحروب الأهلية داخل بعض الدول، وتأثير الخلافات بين الدول العربية نفسها، وتراجع العمل العربي المشترك إلى حدّ الفشل.
وأضاف د. أبوحمور أنه في الوقت الذي ما زالت الأجندات ومشاريع التغيير للقوى العالمية والقوى الإقليمية تتدافع بقوة نحو المنطقة، وتحاول وضع أوتاد فيها لتحقيق أهدافها ومصالحها، فإن العرب يفتقدون مشروعهم المشترك للتغيير والنهوض، الذي يحفظ للأمّة هويتها وكيانها ومستقبل أجيالها.
وأشار د. أبوحمور في هذا الصدد إلى أن "الميثاق الاجتماعي العربي"، و"الميثاق الاقتصادي العربي" بشكل خاص، اللذين أطلقهما منتدى الفكر العربي عامي 2012 و2015 وضعا النقاط على الحروف بشأن مصادر الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وطرق الحل، وقدَّما مجموعة من الأفكار والرؤى الهادفة إلى بلورة رؤية عربية مشتركة نحو النهوض الشامل والاعتماد على الذات وطنياً وعربياً، وبالتالي القدرة على تكوين كتلة اقتصادية تستجمع مصادر القوة والمنعة، وتتكامل فيها الطاقات الإنتاجية، لتحمي الأمّة ومقدراتها من الذوبان والتلاشي أمام كتل اقتصادية دولية تغطي القارات جميعها.
وقال د. أبوحمور: إن التخطيط للمستقبل يحتاج إلى منهج علمي وتدبّر واستشراف، وأن دور مؤسسات الفكر والعلم في هذا المجال دور أساسي في إغناء مضامين النهوض نحو التطور والتقدم، حتى لا نصبح مع افتقاد الخطة الخاصة بنا جزءاً من خطط الآخرين؛ داعياً إلى إعادة النظر في كثير من التوجهات والممارسات التي ما زالت تدفع باتجاه الفردانية وتُقصي العمل الجماعي المشترك عن الفضاء العربي والإسلامي. كما دعا إلى الحوار القائم على هدف الوصول إلى صيغ تنقذ أبناء الأمّة ودولها من الانعزال والتقوقع واليأس، وبالتالي التأسيس لعمل عربي مشترك جديد يحقق معادلة المصالح الوطنية واحترام السيادات والخصوصيات، وتشكيل تفاعل منتج بين مكونات الأمّة ومصالحها العليا المشتركة.
وأوضح د. أبوحمور أن العرب والمسلمين لا يمكنهم أن ينعزلوا عن بعضهم بعضاً، ولا يمكنهم كذلك الانعزال عن العالم في عصر يتجه نحو مسارات التعاون الدولي والتشبيك والتنسيق على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية، لكنهم أيضاً لا يستطيعون في ظل التنافس الدولي أن يبقوا خارج المعادلة، مما يتطلب توفر وسائل تعزيز قوة الفكر، وقوة المبادرة واتخاذ القرار، وقوة العمل ب أهداف واضحة ومحددة.
من جهته، أوضح رئيس مرصد برنامج الاقتصاد السياسي د. أنور الخُفش أنه نتيجة للتطورات الاقتصادية التي مرت بها المنطقة وارتباطها الاستراتيجي بالنظام العالمي الجديد، و بعد مرور مئة عام على تفاهمات سايكس بيكو، ودخول أمريكا وروسيا في تفاهمات جديدة؛ فإن ذلك كله انعكس على طبيعه الصراع الاستراتيجي وبناء التحالفات الإقليمية والدولية، مشيراً إلى أن العالم الآن على مشارف عتبات عصر جديد ومتغيرات اقتصادية وسياسية متسارعة وتفاهمات دولية سرية.
وقال د. الخفش: إننا لا نستطيع تغيير الجغرافيا ولا بد لنا من التعامل معها ضمن مرتكزات الصراعات التي تعتمد أيضاً على الديموغرافيا والطاقات والموارد الاقتصادية، ولا سيما أن أمريكا انتهجت استراتيجية جديدة مع خصومها مثل روسيا وكوبا وإيران، وتم فتح صفحه جديدة للتعامل معهم باعتماد سياسة التفاهم والتعاون والتنسيق الأمني والسياسي والاقتصادي.
وأضاف د. الخُفش أن الصين وروسيا وإيران اليوم ليست كما قبل عشر سنوات، فاقتصادياتها تحقق نمواً يتراوح ما بين 7% إلى10% سنوياً، وهي تسير نحو وضع اقتصادي يؤهلها لأن تكون في مقدمه القوى الاقتصادية العالمية، مما يدعونا إلى التساؤل: أين العرب من بناء القدرات الاقتصادية والسياسية؟ لماذا لا تقوم الدول العربية ببناء علاقات تعاون مع دول الإقليم من دون إسرائيل، كما تفعل أمريكا؟ وهل نستطيع القول إن العالم خرج فعلاً من حقبة أحادية القطب ونهاية الهيمنة والاستبداد ليبدأ بولوج عصر الأنسنة والتشبيك والتعاون الدولي؟ وما العمل لتلبية وصون مصالح الشعوب العربية بعد تدمير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة؟ وما هو التهديد الاستراتيجي الواقع على الأمن القومي العربي؟ وما المطلوب لاستعادة الشارع وإعادة توجيه البوصلة نحو القضية الفلسطينية والتنمية العربية، ووقف الصراعات العرقية والطائفية في الوطن العربي؟
كما تساءل من يقف وراء مشروع الشرق الاوسط الجديد . ولماذا تفرد الامريكان باقامه هذا المشروع دون التنسيق مع دول المركز العالميه ؟
وفي معرض حديثه عن مشروع الشرق الأوسط الجديد والتفرد الأمريكي بهذا المشروع دون التنسيق مع دول المركز العالمية، أشار د. الخُفش إلى الذخيرة الإيديولوجية التي وفرها المؤرخ اليهودي الأمريكي برنارد لويس لإدارة بوش في قضايا الشرق الأوسط والحرب على الإرهاب. وقال: إن هناك سياسة خارجية جديدة لأمريكا تعمل باتجاه تجديد الحلفاء، والاستغناء عن البعض والبحث عن حلفاء جُدد وآليات عمل جديدة دولياً وفي إقليم الشرق الأوسط وآسيا بشكل خاص، بدلالة عدة دراسات أمريكية حول شرق أوسط جديد في ما بعد إسرائيل، وكذلك فقدان النفط بُعده الاستراتيجي لأمريكا.
وأشار د. الخُفش إلى مسألة التحول من النظام العالمي الجديد إلى النظام الأمريكي الدولي (أمركة النظام العالمي) ومقدمته مشروع بريجنسكي للشرق الأوسط الجديد، وضرورة أن تبذل الدبلوماسية العربية جهوداً مكثفة بهدف إجراء تحول في السياسة الأمريكية لاستيعاب أحقيه دعم ومراعاه متطلبات الجانب العربي، ودعم الحد الأدنى للحقوق العربية في التعامل مع العملية السلمية والأمر الواقع بعقلانية، وتفعيل الدور العربي والأوروبي دون القفز على الدور الأمريكي الأكثر تاثيراً وفعالية.
وأوضح د. الخُفش أن مضمون السلام الإسرائيلي من الناحية الاستراتيجية هو مشروع مسبوق بالتخطيط المحكم لتحقيق أهداف محددة ترتكز على المضمون الاقتصادي، مقابل غياب المشروع العربي بسبب ضغوط الفواتير السياسية الإقليمية والدولية والعربية أيضاً. وأن المنظور الاقتصادي للصهيونية العالمية في انفتاح الدولة الإسرائيلية يبرره حجم المعونات الخارجية الأمريكية والمنظمات اليهودية العالمية، مما جعل نصيب الفرد الإسرائيلي من هذه المعونات يزيد على أربعة الآف دولار، أي يزيد على ستة أضعاف متوسط دخل الفرد في معظم الدول العربية. وأن رؤية المخططين الصهاينة تعتبر الخطر متمثلاً في استمرارية هذه المعونات وارتباطها بكينونة الدولة الاسرائيلية واستدامتها، مما يعني أن إسرائيل ستظل (الدولة المصنوعة)، والحل الوحيد برأيهم هو تسويق النظام الشرق أوسطي ومدخله السلام كوسيلة لحل مشاكل إسرائيل السياسية والاقتصادية وأهمها: المقاطعة العربية ونتائجها، والتكلفة الباهظة لفقدان أسواقها الطبيعية من المنظور الجغرافي، ونفقات الأمن الباهظة، والحصار والسياج النفسي حول إسرائيل وعدم قبولها في المنطقة.