EN | AR
الحكومة والبرلمان عقبتان أمام السيسي في محاربته الإرهاب
الثلاثاء, مايو 2, 2017
منى مكرم عبيد

في الوقت الذي كان ينظم الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين مؤتمراً حول «الحرية والمواطنة... التنوع والتكامل» في القاهرة بحضور كبار قادة الأزهر وقادة من مختلف كنائس الشرق الأوسط والعالم، كانت مدينة العريش المصرية محل اهتمام ومتابعة من الإعلام العالمي، في ضوء تهجير عدد من الأسر المسيحية، نتيجة قتل وذبح وحرق عدد من المواطنين على هويتهم الدينية، وهو ما دعا إلى فرار أكثر من 355 أسرة مسيحية من هذه المدينة خوفاً على حياتهم، والانتقال إلى محافظات أخرى، أبرزها الإسماعيلية.

وعلى رغم الحرب الشرسة التي تشنّها قوات الجيش والشرطة على معاقل الإرهاب في سيناء، هناك بيئة حاضنة لأفكار التطرف والتشدّد، ونتيجة لذلك تم استهداف كثيرين من أفراد الجيش والشرطة وكبار القبائل بزعم تعاونهم مع الدولة في الكشف عن المتطرفين، ثم استهداف منازل المسيحيين ومتاجرهم، ومحاولة استفزاز الدولة، لتحقيق الطموحات غير المشروعة في تأسيس دولة الخلافة، وإعلان العريش إمارة إسلامية. لكن ما يثير الاهتمام، معرفة الإرهابيين بكل المعلومات عن الأسر المسيحية، من حيث منازلهم ومتاجرهم، ودعوتهم للخروج من المدينة أو دفع الجزية، فمن الذي مدّ هؤلاء بهذه المعلومات حتى يقوموا بوضع علامات على المنازل، والهجوم على بعضها وحرقها وسرقة محتوياتها في غياب تام من الدولة، وهو ما يدق إشارات الخطر، بأن هناك تغيّراً في التركيبة المصرية، تسمح للبعض بإعطاء معلومات عن جيرانهم ليصبحوا فريسة في أيدي الإرهابيين؟ وهو ما يعيد سيناريو شهدته الموصل العراقية، حيث نجح تنظيم «داعش» في التوغّل وطرد الأقليات الدينية بعد أن سهّل له عدد من المواطنين معلومات عن القاطنين في المدينة، وتقديم تسهيلات ساعدت التنظيم الإرهابي على التوغّل وبسط نفوذه على المدينة وغيرها، حتى عانى الجميع من قبضة التنظيم الذي أعاد المدينة إلى العصور البدائية.

الوضع يعود للتكرار الآن، من خلال تقديم تسهيلات للإرهابيين في العريش، والأمر معرض للتكرار في محافظات أخرى، في الوقت الذي تقدم الحكومة تصريحات وردية، بالحديث عن عدم إجبار أحد من الأسر على ترك العريش، وتجاهل الخطر الذي عاش فيه هؤلاء، ولم يكن هناك أي وجود أمني يمنحهم شعوراً بالأمن والأمان. بالفعل لم يطلب منهم أحد المغادرة، ولكن، في الوقت نفسه، لم يجد هؤلاء من يحميهم من بطش الإرهابيين، حيث يروي الفارون من جحيم «داعش»، أنه تمت سرقة متاجرهم وبقاء السارقين لدقائق في تحدٍّ للدولة والشرطة، وتأكيداً على أنهم لا يخشون أحداً.

مجلس النواب أثبت عجزه وفشله أيضاً في مواجهة الأزمة، حيث قامت لجان برلمانية بزيارة الأسر بعد فرارها من العريش إلى الإسماعيلية، والتضامن مع هذه الأسر، والمطالبة بعودتها إلى العريش فور انتفاء الأسباب، والاكتفاء بتوفير مكان بديل لسيدة فقدت زوجها ونجلها بعد قتلهما وحرقهما بأيدي الإرهابيين، وعدم قدرتها على العودة خوفاً على حياتها، ولعدم القدرة على تحمُّل شبح المشهد القاسي لفقدانهما، في الوقت الذي يغفل فيه السادة النواب أن هناك منازل ومتاجر يتم نهبها حالياً في غيبة أصحابها وعدم قدرة الأمن على حمايتها. فإذا كانت الحكومة فشلت في حمايتهم أثناء وجودهم في العريش، وفشلت في حماية ممتلكاتهم بعد رحيلهم، فبأي منطق يطلب منهم العودة من جديد؟!، مجلس النواب أثبت أنه «شبه برلمان» –كما وصفه الدكتور سعد الدين إبراهيم- ويتفرّغ لإسقاط العضوية عن نائب تلو الآخر مثل ما حدث أخيراً مع النائب أنور السادات، في الوقت الذي يتجاهل حل مشكلات المجتمع الحقيقية، كما يتغافل عن تنفيذ حكم قضائي واجب التنفيذ صادر عن محكمة النقض لمصلحة الدكتور عمرو الشوبكي.

وكما قال البابا تواضروس خلال مشاركته في المؤتمر الذي أشرت إليه «أن مصر والمنطقة العربية تعانيان ولا تزالان من الفكر المتطرف الناتج عن الفهم الخاطئ للدين والذي أدى إلى الإرهاب والتطرف الذي يعد أكبر تحديات العيش المشترك، إلا أن الفكر المتطرف يواجه بالفكر المستنير. لا يمكن قتل وجهة نظر أو سجنها، ومواجهتها تكون بالحوار وليس بالقهر».

مقارنة ذلك بحالة الاستقطاب السياسي التي يشهدها مجتمعنا ومنطقتنا العربية، تشير إلى أن الطريق لا يزال طويلاً من أجل محاربة الإرهاب، وأن التركيز على الحلول العسكرية أو الأمنية لا يؤدي وحده إلى نجاح الهدف، فلا بد من تغيير الفكر المتبع في الحرب على الإرهاب، وإلا ستهدر كل الجهود في هذا المسار.

أذكر منذ عقود دعوات لتغيير المناهج التعليمية، وإدراج مبدأ المواطنة، والاهتمام بحقوق الإنسان، بداية من تقرير الدكتور جمال العطيفي الذي قدمه للبرلمان عام 1971 عقب حادث كنيسة الخانكة الطائفية، ومروراً بما ساهمتُ به عبر رئاسة جميعة «النهضة بالتعليم» في التسعينات بالاهتمام بالتربية المدنية واحترام عقليات التلاميذ، وتدريبهم على ثقافة المواطنة والعمل الأهلي، وتغيير العقلية الحاكمة في التعليم. وكررتُ الدعوة خلال عضويتي في المجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2013 إلى ضرورة تنقية المناهج التعليمية من الأفكار التي تحض على الكراهية ونبذ الآخر، إلا أن الحكومة كانت تقوم بتعديلات شكلية ولم تقترب من الجوهر، كما أنها اهتمت بحذف بعض المقررات والأفكار من دون أن تهتم بتطوير عقلية المعلم وتأهيله لتدريس أفكار أكثر انفتاحاً. كلها أمور أصبحت عائقاً أمام تنفيذ هذه الدعوات، ومن ثم إهدار أي جهد لتدعيم ثقافة المواطنة والتعددية والتنوع.

الأمر يزداد صعوبة مع غلق المجال العام، وملاحقة نشطاء حقوق الإنسان وتقييد العمل المدني، وهو ما يمنح الفرصة للتشدد في الانتشار على حساب الحوار والتنوّع والاختلاف، وأعتقد أن اتجاه المنظمات الدولية لفتح مقار إقليمية لها في تونس دلالة على الضيق من التشدّد والبطش بالعمل الحقوقي في مصر، ومحاولة تشويه صورة الحقوقيين أمام المجتمع، فالوسط الحقوقي ليس كله ملائكة ولكن أيضاً ليس تجمُّعاً لقوى الشر، إذ ساهمت الحركة الحقوقية في إحداث نوع من التغيير الحقيقي في مصر والمجتمعات العربية، وخلق أجيال لها أهميتها في الوسط الحقوقي العربي والدولي، منذ تأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في الثمانينات، وشرفت بعضويتي بها، ومن خلال الأجيال التي نشأت وتربت في هذه المنظمة تم تأسيس عشرات المراكز في مصر والدول العربية، ما ساعد في اختيار ممثلين عنهم في المجالس الوطنية العربية لحقوق الإنسان.

وعلى المستوى المحلي، إلى جانب تغيير المناهج التعليمية، لا بد من قيام وزارة الثقافة بمشروع قومي لمحاربة التطرف والإرهاب، وتغذية مراكز الثقافة وغيرها من المؤسسات التابعة للوزارة على مستوى الجمهورية بكثير من الكتب والدراسات التي تعزز قبول الآخر ومحاربة التطرف، مع تنظيم كثير من الفعاليات لدمج فئات المجتمع في بوتقة ثقافية متطورة تسمح بالحوار والاختلاف وتبادل الآراء، وإثراء الوسط الثقافي والاجتماعي بكثير من الأفكار البناءة.

ونتمنى أيضاً الإسراع في إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، حيث تأخر مجلس النواب في إقرار القانون الحاكم لها، وهو ما يعرقل مساعي محاولات الرئيس عبدالفتاح السيسي لمحاربة الإرهاب والتطرف. هذا التأخُّر يسمح للتطرف والتعصُّب بالتوغل في المجتمع، وقد أصبح التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين هو السائد، مما ترتب عليه استقطاب حاد بين المواطنين في مختلف القضايا، وهو ما يترتب عليه أيضاً كثير من الأخطاء والتراكمات التي تنهش في المكون الاجتماعي المصري. ولا يخلو الأمر من سخرية متداولة معبّرة عن الواقع المصري المخجل، حينما كان عرض فيلم بعنوان «حسن ومرقص وكوهين» عام 1954، ثم اختفى كوهين لعوامل اجتماعية مختلفة، حتى عرض فيلم «حسن ومرقص» 2013، وربما يختفي «مرقص» في سنوات مقبلة! أعتقد أن على القمة العربية في عمان، دوراً كبيراً في التوصل إلى استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، وكتبتُ هنا أكثر من مرة عن ضرورة تغيير المسار الذي تتّبعه الدول العربية في إطار الحرب على الإرهاب، حيث يحتل المواطنون التوانسة الفئة الأكبر بين الأجانب المنتمين لـ «داعش»، كما تواجه سورية أزمة كبيرة في ضوء وجود عدد من الإرهابيين على أراضيها، وهم قنابل موقوتة أمام خطط التنمية ومحاولة إعمار سورية عقب الأزمة المستمرة منذ ست سنوات، والأمر نفسه ينطبق على العراق.

كذلك، في إطار نية واشنطن في تشكيل تحالف جديد لمحاربة الإرهاب، لا بد أن تقدم مصر والدول العربية رؤية جديدة لمكافحة «داعش» وغيره من الجماعات الإرهابية، وفق سيناريوات محدّدة، لا تعتمد على المعالجة العسكرية وحدها، وتعمل على تغيير الصورة السائدة في واشنطن عن العرب والمسلمين إلى جانب تنامي الأفكار اليمينية بأوروبا والعالم حالياً، فتصحّح الصورة التي تعتمد عليها التيارات اليمينية والشعوبية في العالم، كجسر للنجاح في الانتخابات والتقدُّم نحو مواقع القيادة في بلادها على حساب معاداة العرب والمسلمين وظاهرة الإسلاموفوبيا.

أتمنى أن تنصت الحكومة المصرية ومجلس النواب والمؤسسات الدينية لهذه التوصيات إذا كانت هناك جدية لمحاربة الإرهاب والتطرف وترسيخ المواطنة، بدلاً من سيل التصريحات الذي يملأ الفراغ من دون خطوات واضحة على الأرض، وهو ما يظهر أن مؤسسات الدولة المصرية تعمل ضد رئيس الدولة، وهو أمر يجب أن لا يستمر كثيراً!

exported: 
نعم
Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©