عمّان- أوضح د. محمود قظّام السرحان، المستشار والخبير الشبابيّ/المجلس الأعلى للشباب في الأردن، وعضو منتدى الفكر العربيّ، عددًا من التحديات التي تواجه الشباب العربيّ، ومنه الشباب الأردني. مثلاً إنّ المجتمعات العربيّة لا تزال تفتقر إلى البيئة والموارد الملائمة لتنظيم الأنشطة الشبابيّة، سواء الأنشطة التطوعيّة أو تلك المتعلّقة بفرص التشبيك. وأشار إلى أنّ التداعيات الاقتصاديّة للعولمة خلقت تهميشًا لفئاتٍ من الشباب، وإدماجًا لفئة محدّدة، فيما أفقرت الطبقات الفقيرة أصلاً، التي انسحبت الدول عن دعم احتياجاتها الأوليّة؛ إضافة إلى اتساع الفجوة بين الأجيال بسبب التفاوت التعليميّ، واتساع نطاق التعرّض للإعلام العالميّ.
واشتملت التحدّيات التي أوردها "التقرير الوطنيّ حول أولويّات تنمية الشباب الأردنيّ وأهدافها ضمن إطار برنامج العمل العالميّ للشباب (حالة شباب الأردن 2009)"، الذي أعدّه د. السرحان، على إشارات تتعلَّق بالنظام التربويّ العربيّ، وغياب الحوار، وقصور القدرات البشريّة، وعدم كفاية التدريب والتعليم، وضعف مشاركة الشباب في الحياة العامة، وارتفاع معدلات البطالة بينهم، وغير ذلك من تحدّيات.
وقال د. السرحان في حديثه في اللقاء الثّالث من سلسلة "نادي المنتدى" والأوّل من سلسلة اللقاءات الشبابيّة في المنتدى لعام 2010، بمناسبة صدور كتابه الجديد "الشباب في ضوء الأهداف التنمويّة للألفيّة الثالثة (دراسة حالة/الأردن)"، مساء الأربعاء 17/2/2010: إنّ التقرير الوطنيّ المذكور يكتسب أهميّة متزايدة على المستويين الرسميّ وغير الرسميّ في الأردن؛ إذ ينطلق من الإيمان الأكيد والقناعة الراسخة بأهميّة الكشف المبكِّر عن قضايا الشباب ومشكلاتهم، ودراسة طبيعة هذه المشكلات المتعدّدة الأبعاد، وما يجب القيام به من خطوات نحو تطوير سياسة وطنيّة لتنمية الشباب وتمكينهم.
وأضاف: إنّ التقرير يشكِّل مبادرة وطنيّة تستند إلى الإدراك الواعي لأهميّة إيجاد آليّة معرفيّة مستقلّة عن الوثائق العامة أو القطاعيّة المماثلة، نظرًا لكون فئة الشباب من أكثر فئات المجتمع قدرة على العمل والإنتاج، وأكثرها تحملاً لأعباء التحوّلات الاجتماعيّة الرّاهنة. ويتبنّى الأردن المفهوم الدوليّ والعربيّ للشباب من سن (15–24) سنة استنادًا إلى قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس وزراء الشباب العرب. وقد بلغت نسبة الشباب حسب هذا المفهوم عام 2006 21.5%، ويُتوقَّع أنْ تصل هذه النسبة عام 2020 إلى 18.2%.
ووَفْقَ الاستراتيجيّة الوطنيّة للشباب، التي أطلقها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم للسنوات الخمس 2005–2009، فإنّ المجلس الأعلى للشباب يتبنى الفئة العمرية من سن (12–30) سنة. وقد وصلت نسبة الشباب حسب هذا المفهوم عام 2006 إلى 39.1%، ويُتوقَّع أن تصل عام 2020 إلى 34.4% من مجموع عدد السكان الكلّيّ (سبعة ملايين وسبعمئة وخمسة وثلاثون ألف نسمة).
يشتمل الكتاب/التقرير على عددٍ من الأبواب تتناول مفاهيم السياسة الشبابيّة ومبرّراتها وأولويّاتها، والتحدّيات التي تواجه الشباب، والاستراتيجيّة الوطنيّة للشباب ورؤيتها ورسالتها ومبادئها ومنطلقاتها ومحاورها، والفئات المستهدفة، والملامح العامة للحالة الشبابيّة من حيث: الشباب في الاقتصاد العالميّ؛ بما في ذلك الجوع، والفقر، والتعليم، والعمالة والعولمة؛ ثم الشباب في المجتمع المدنيّ ضمن محاور البيئة، وأوقات الفراغ، والمشاركة في صنع القرار، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعلاقات بين الأجيال. كذلك ما يتعرّض له الشباب من أخطار. ويندرج ضمن هذا الباب موضوعات حول الصحّة، وجنوح الأحداث، والمخدّرات، والفتيات والشباب، والأمراض الجنسيّة (الإيدز)، والصراعات المسلحة؛ فضلاً عن التوصيات التي ركَّزت على تفعيل العمل الشبابيّ الوطنيّ، وتعميق الشراكة الحقيقيّة بين القطاعين العام والخاصّ ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في قطاع الشباب، والتنسيق والتعاون والتشبيك بين المؤسّسات المعنية بالعمل مع الشباب عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، وتفعيل اتفاقات التعاون الثنائيّة المعنيّة بالشباب؛ وتوسيع قنوات الحوار مع الشباب في شتى المواقع، وبناء قدراتهم في مجالي مهارات الحياة الأساسية وأنماط الحياة الصحيّة؛ إضافة إلى توعية الشباب والشابات بالأهداف الإنمائيّة للألفيّة الثالثة، وإجراء دراسات مسحيّة حول الشباب من حيث معارفهم وقيمهم واتجاهاتهم ومشكلاتهم.
ويوضح التقرير أنّ نسبة البطالة في الأردن لعام 2008 انخفضت إلى 12% نتيجة الإجراءات التي اتبعتها الحكومة من خلال توليد المزيد من فرص العمل بالتعاون مع القطاع الخاص. لكن، على الرغم من التقدّم المُحرَز في مجال التشغيل، إلاّ أنّ التطور لم يكن كافيًا لاستيعاب التدفّق السنويّ المتزايد للباحثين الجدد عن عمل؛ عدا أنّ قطاع التدريب المهني ينتج عمالاً غير ملتزمين وذوي مستوى تدريب متدنٍّ. ومن المشكلات التي يعاني منها قطاع التدريب المهني في الأردن غياب المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص في جميع مراحل التدريب المهني. ويعاني الأردنيّون العاطلون عن العمل من صعوبة إيجاد فرص عمل من خلال مؤسسات التشغيل الحكوميّة، بسبب تشتت هذه المؤسسات وعدم فاعليتها؛ ما يولِّد إحباطًا لدى الكثير منهم ويدفعهم إلى التوقّف عن البحث عن العمل. ويبلغ معدل البطالة ضمن الفئة العمريّة من سن (20–24) سنة 28.2%، ويُلاحَظ أنَّ البطالة في الأردن تتركَّز في أوساط الفئات الشابّة.
فيما يتعلق بالتعليم، يشير التقرير إلى أنّ نسبة التعليم للشباب من سن (15–24) سنة وصلت عام 2007 إلى 99%، ويتوقّع أن تصل عام 2015 إلى 100%.
وعلى الرغم من التقدُّم الملموس في مجال إنشاء المؤسسات الترويحيّة من شبابية واجتماعية وثقافية ورياضية في جميع مناطق المملكة، والتزام الأردن باتفاقيّة حقوق الطفل، وما نصَّ عليه الميثاق الوطني الأردنيّ من أنّ "الشباب مستقبل الوطن وثروته البشريّة المتجدّدة، وعلى الدولة أن تضع السياسات والبرامج الوطنيّة لحشد طاقاتهم وتأهيلهم لتحمُّل المسؤولية، والانخراط في العمل المُنتج المعبِّر عن إمكاناتهم في التجديد والابتكار، والسعي لحمايتهم من الانحراف، ومعالجة أسبابه، وتوجيه قدراتهم الخلاقة نحو البناء والتنمية"، إلا أنَّ الواقع العملي ينطوي على عدد من العقبات والفرص؛ إذ يشير 76% من الشباب إلى أنهم لا يمارسون أية أنشطة اجتماعيّة أو تطوعيّة خلال الأوقات الحرّة لديهم؛ فضلاً عن صعوبة الوصول إلى مثل هذه الأماكن في بعض الأحيان وتدخُّل الأهل أحيانًا بمنع الشباب عمومًا والشابات خصوصًا من ارتياد مثل هذه الأماكن. ويعدّ عدم الاستغلال الأمثل لأوقات الفراغ المشكلة الرئيسيّة لمشاركة الشباب. فحوالي 43% من الشباب الأردنيّ يقضون أوقات فراغهم في مشاهدة التلفزيون؛ فيما 1.4% فقط يرتادون الأندية الشبابيّة.
ويستشهد التقرير بدراسة أجراها برنامج تدعيم وسائل الإعلام في الأردن المموَّل من الوكالة الأميركية للإنماء الدولي USAID، تقول: إنّ 36% من الأردنيّين يستخدمون الإنترنت، ثلثاهم من الذكور، و67% من المستخدمين هم من الفئة العمريّة (15–29) عامًا، وإنّ استخدام الإنترنت لم يعد مقتصرًا على أصحاب الشهادات الجامعيّة؛ إذ إنّ 60% من مستخدمي الإنترنت هم من حاملي الشهادة الثانوية فما دون. وأوضحت النتائج أنّ 58% من مستخدمي الإنترنت يسكنون في محافظات إربد والزرقاء والبلقاء ومناطق أخرى خارج عمان. أما أماكن استخدام الإنترنت فتتوزَّع على النحو الآتي: 30% من المنزل، 27% من مقاهي الإنترنت،10% من الجامعة، و 7% من المدرسة. ولم تتجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت من خلال المكتب 17% أو 8% من الأردنيين.
وفي مجال الصحّة، يؤكّد التقرير أنّه نظرًا للوعي الصحيّ العالي السائد في الأردن وسيادة القيم الدينيّة والأخلاقيّة الرفيعة، فإنّ نسبة انتشار مرض نقص المناعة المكتسب/الإيدز منخفضة جدًا والحالات المُكتَشَفة قليلة بالمقارنة بعدد السكان. فنحو60% من الحالات المُكتَشَفة حدثت بين غير الأردنيّين، وقد وصل العدد منذ عام 1986 حتى عام 2008 إلى (631) إصابة منهم (194) أردنيًّا.
أعقب محاضرة د. السرحان نقاش شارك فيه جمهور غفير من الشباب والقيادات الشبابيّة وعدد من المسؤولين الشبابيّين. وأدارت اللقاء السيدة سمر كلداني، مديرة جائزة الحسن للشباب، والمستشارة الإقليميّة للجائزة الدوليّة في الدول العربيّة، التي ركَّزت في حديثها على ضرورة استمرار الحوار بين الشباب والمسؤولين، وعلى اعطاء الشباب فرصة طرح قضاياهم ومناقشتها واقتراح الحلول لها بكلّ حريّة.
وشارك في النقاش أ.د. هُمام غَصِيب، أمين عام المنتدى، الذي أكَّد عناية المنتدى باللقاءات الشبابيّة ضمن الفصل الشبابيّ الذي تم تأسيسه مؤخرًا، والذي ستتولاه قيادات شبابيّة تعمل باستقلال كامل؛ إلى جانب عناية المنتدى بتوسيع دائرة أنشطته خارج مدينة عمّان وخارج الأردن أيضًا. ومن المنتظر عقد لقاء شبابيّ موسَّع في مدينة إربد بالتعاون مع بلديتها خلال الأسابيع القليلة القادمة، بعد أن عقد المنتدى أول لقاء شهريّ خارج الأردن في البحرين أوائل كانون الأوّل/ديسمبر 2009.
ودعا أ.د. هُمام غَصِيب الشباب إلى التمسّك بالأمل ومحاربة اليأس، والعمل على تحويل الصعوبات إلى تحدّيات يثبتون فيها مقدراتهم على تجاوز المعوقات التي لا بدّ أن تواجه كلّ إنسان في هذه الحياة. وأشار إلى أنَّ الشباب لا يُقاس بالعمر، وإنّما بالروح الشابة المتطلعة إلى الإنجاز وتحقيق الأهداف، والاعتزاز بالانتماء إلى الأمّة.
يذكر أنّ كتاب "الشباب في ضوء الأهداف التنمويّة للألفيّة الثالثة (دراسة حالة/الأردن) 2009" للدكتور محمود السرحان، الصادر ضمن سلسلة التثقيف الشبابيّ عن المجلس الأعلى للشباب في الأردن، وزِّع على الحضور مجانًا في ختام اللقاء.