عمّان- حذّر معالي الدّكتور حازم النّاصر، وزير المياه والرّي الأردنيّ الأسبق، من تزايد الشحّ المائيّ لدى دولٍ عربيّة مثل الأردنّ واليمن وفلسطين، التي تعدّ أقلّ الدول استخدامًا للمياه بالقياس إلى معدّل حصة الفرد، في الوقت الذي تعاني فيه دول عربيّة أخرى من سوء إدارة الموارد المائيّة والهدر والضّخّ الجائر. وقال: إنّ 80% من مصادر المياه في منطقة الشرق الأوسط تتركّز في كلٍّ من تركيا وإيران والعراق وسورية؛ فيما تتوزّع 20% من هذه المصادر باقي دول المنطقة. كما أنّ عدد السكّان فيها سيرتفع من (432) مليون نسمة - وَفْقَ آخر تعداد قبل عامين– إلى (692) مليون نسمة عام 2050؛ ما سيشكّل ضغطًا شديدًا على الموارد المائيّة.
وأشار إلى أنّ الدول التي تعاني شُحًّا مائيًّا عُرضة أكثر من غيرها للتأثُّر بالتغيُّر المناخيّ، بسبب هشاشة إمكاناتها للتأقلم مع هذا التغيُّر، عكس الدول الغنيّة بالنّفط، التي تمكّنها مواردها الماليّة من تهيئة البنية المطلوبة للتأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة.
جاء ذلك خلال عرضٍ قدّمه الدّكتور النّاصر ضمن سلسلة نادي منتدى الفكر العربيّ، مساء الأربعاء 28/7/2010، لكتابه "إدارة موارد المياه الشّحيحة: تجربة شرق أوسطيّة" Management of Scarce Water Resources: A Middle Eastern Experience، الصادر باللغة الإنجليزيّة عام 2009 عن WIT Press في ساوثمبتون/المملكة المتحدة. وأدار اللقاء معالي الدّكتور هشام الخطيب، عضو المنتدى.
وفي هذا الكتاب بيّن المؤلِّف ضرورة التّعاون وتبادل الخبرات بين دول المنطقة لإدارة موارد المياه بكفاءة وبما يتناسب وثّقافة المجتمع المحلّيّ. وانتقد في حديثه تطبيق تجارب أمريكيّة وغربيّة في هذا المجال في بعض الدول العربيّة. وأعطى مثلاً على ذلك الاستعانة بخبراء أمريكان لوضع خُطّة قوميّة لإدارة الموارد المائيّة لدى السُّلطة الفلسطينيّة، اتضح منها أنهّا تعتمد على مصدر وحيد يتمثّل في المياه القادمة من إسرائيل. واقترح أن يُستعان بنموذج الخطّة القوميّة الأردنيّة التي تعتمد على مصادر مائيّة متعدّدة، والتي عدّها من أنجح المشروعات المتعلقة بإدارة المياه وكيفيّة تغطية العجز المائيّ خلال العشر سنوات الأخيرة.
وقال: إنّ العراق أيضًا بحاجةٍ إلى سياسةٍ مائيّةٍ جديدة، لكونه الخاسر الأكبر في الاتفاقات الثنائيّة والإقليميّة المتعلقة بمياه دجلة والفرات؛ إذ يبلغ مستوى جريان نهر الفرات حين يدخل العراق (200) متر مكعب في الثّانية الواحدة. وهذا يعني عدم الإيفاء باحتياجات هذا البلد، خاصة إذا علمنا أنّ تركيا أقامت سدًّا شبيهًا بسدّ أتاتورك على نهر دجلة سينتهي العمل فيه خلال الخمس سنوات القادمة؛ فضلاً عن أنّ إيران أقامت سدًّا على أحد روافد دجلة قبل ثلاث سنوات. وحذّر من أنّ مشكلة المياه ستطفو على السطح في العراق خلال العشر سنوات القادمة ما لم تُعدّل السياسة المائيّة، لا سيما أنّ المياه الجوفيّة أسفل مدينة بغداد حتى البصرة أصبحت غير قابلة للاستخدام بسبب هبوط مستويات الأنهر وملوحة المياه وتدنّي نوعيّتها.
كما حذّر من تناقص كميّات المياه الجوفيّة في الأردنّ بسبب الضخّ الجائر لها. وقال: إنّ المياه الجوفيّة تمثِّل عضلة القلب للأردنّ، وإذا استمرّ هذا الضخّ على ما هو عليه، فإنّ نضوب هذه المياه يعني أن مدنًا في المملكة ستفتقد في المستقبل إلى مياه شرب لقاطنيها. وأوضح الدّكتور النّاصر أنّ لتسعيرة المياه علاقة وثيقة بمكافحة الفقر؛ مؤكّدًا أنّ الفاتورة الشهريّة للمياه بدلاً من الفاتورة كل ثلاثة أشهر تضرّ بالمواطن الفقير وتفيد الغنيّ؛ لأنّها تصبح مقطوعيّة شهريّة متوالية على الفقير، فيما الدّعم ما زال موجّهًا إلى الشريحة الغنيّة التي تستهلك كميّات أكبر من المياه.
وقال: إنّ الأردنّ يستخدم حاليًّا مليار متر مكعب من المياه للزراعة والصناعة والشرب، ويستورد ما نسبته ستة مليارات متر مكعب مما يسمّى المياه الافتراضيّة، التي تأتي من خلال مستورداته من الحبوب والخضروات واللحوم. لكنّ وفرة المياه الافتراضيّة تناسب الدول التي لديها دخل عالٍ أكثر بكثير من الدول التي لا تتوافر لها موارد ماليّة كبيرة. فالأردنّ لا يزال يستورد 97% من احتياجاته من القمح والشّعير.
وفي تناوله لموضوعات كتابه، أشار الدّكتور النّاصر إلى أهميّة بناء القدرات البشريّة في قطاع المياه، والحدّ من هجرة الكفاءات بسبب تدنّي الرّواتب؛ لأنّ ذلك يُعدّ أهمّ العناصر اللازمة لتطوير هذا القطاع. كذلك، التّركيز على الكفاءة التّجاريّة والإداريّة في مجال مشاركة القطاع الخاصّ في إدارة المؤسّسات المسؤولة عن تشغيل المياه، والبدائل المتاحة لهذه المشاركة، وإدارة العقود مع الشركات الخاصّة.
وقال: إنّ هدفه من تأليف هذا الكتاب، الذي يقع في فصولٍ ستة، تقديم صورة واضحة للقارىء عن قضايا المياه في منطقة الشرق الأوسط، خاصّة في جوانبها التّطبيقيّة، واطلاع القائمين على إدارة المياه على تجارب تجنّبهم الوقوع في أخطاء قاتلة؛ موضحًا أن المكتبة العربيّة والأجنبيّة تفتقد إلى الدراسات التّطبيقيّة في موضوع مياه الشرق الأوسط.
شهد اللقاء نقاشًا حول عدد من القضايا التي تحدّث عنها الدّكتور النّاصر. وأكّد المشاركون في النّقاش ضرورة القيام بجهود توعية على مختلف المستويات، وإدخال موضوع المياه في المناهج التعليميّة.
من جهته أشار أمين عام المنتدى، الأستاذ الدّكتور هُمام غَصِيب، إلى أنّ المنتدى أولى قضايا المياه عناية خاصّة. فبدأ سلسلة من الأنشطة الفكريّة استهلها بندوة "قضايا المياه: عربيًّا وإقليميًّا" بالتعاون مع مؤسسة عبد الحميد شومان (31/3-1/4/2010)، التي شارك فيها خبراء ومتخصّصون من الدول العربيّة وتركيا، وسيصدر كتاب يضمّ أعمالها قريبًا.