عمّان- حذّر أ.د. نزار أبو جابر، عميد البحث العلميّ في الجامعة الألمانيّة الأردنيّة وأستاذ علوم الأرض والبيئة في جامعة اليرموك، من نتائج التغيُّر المناخيّ والهجرات السكانيّة الجديدة، والتلكؤ في معالجة الاختلالات الحاليّة سكانيًّا وتنظيميًّا، وتراجع مستوى التعليم. كما حذر من نتائج نضوب النفط على المدى الأطول؛ ما سيشكِّل تهديدًا وجوديًّا؛ إذ ستقلّ فرص تصدير الفائض السكّانيّ، وترتفع كُلف استيراد الغذاء إلى مستويات قد لا يقدر الأردنّ على تحمّلها.
وأشار خلال عرضه لكتابه الجديد "الأردنّ والتحدّي البيئيّ"، في اللقاء الثّامن من سلسلة نادي منتدى الفكر العربيّ "الوطن العربيّ والتحدّي البيئيّ: الأردنّ نموذجًا"، مساء الأربعاء 1/12/2010، إلى أنّ محاولة تجاهل محدوديّات الموارد والاستمرار في التوسّع السكّانيّ والعمرانيّ لا يمكن أن تتخذ صفة الديمومة؛ لأنّ كلفة تغطية الاحتياجات المتزايدة سوف تتجاوز القدرات الاقتصاديّة للدولة والمستثمرين. وأكد أنّ مشروع الدّيسي تعثّر تنفيذه لسنوات طويلة بسبب كلفة الإنشاء والتشغيل المرتفعة. ومع ذلك، فإنه مشروع مؤقّت من حيث وفرة الماء في الخزانات الجوفيّة، التي ستسمح بتوفير جزء يسير من احتياجات المملكة لخمسين سنة أو أكثر قليلاً؛ ثم ماذا بعد ذلك؟!
كما أشار إلى أنّ الاستراتيجيّة الوطنيّة للمياه تعتمد بشكلٍ كبير على توفير (500) مليون متر مكعب من المياه المحلاّة الناشئة عن مشروع قناة البحرين؛ لكنّ كلفة هذا المشروع وقضايا بيئيّة وفنّيّة وسياسيّة قد تحول دون تنفيذه. فهل هنالك خطّة بديلة؟
ودعا د. أبو جابر إلى التفكير الإبداعيّ في تجاوز معضلة محدوديّات البيئة. وقال: إنّ مثل هذا التفكير قد يأخذ أشكال مشروعات كبرى كالتي تتبنّاها الدولة. وقد يكون من المفيد إعادة النظر في الوضع القائم وتدارس الوضع بنظرات جديدة تعتمد على تحليل الوضع القائم؛ أي تحليل نقاط القوّة والضعف والفرص والتهديدات؛ وهو ما يُعرف بالتحليل الرباعيّ في الإدارة الحديثة.
وأوضح أنّ الأردنّ استطاع حتى الآن تجاوز محدوديّات البيئة من خلال الاعتماد على تدريب كوادر بشريّة استطاعت خلق صناعات خدماتيّة، وسمحت بتصدير عمالة إلى الخارج. كما يمكن إضافة وجود نظام تعليميّ فعّال كنقطة مهمّة استطاع الأردنّ من خلالها تخطّي اختلال التوازن بين المتطلّبات البشريّة والموارد المتوافرة؛ فيما تتلخّص نقاط الضعف في ازدياد أعداد السكّان بما يفوق قدرة البيئة على تلبية احتياجاتهم، وفي تبنّي أنماطٍ من السكن واستخدام الأراضي التي لا تساعد على تعظيم الاستفادة من الموارد المتوافرة، وهجر الزراعات البعليّة في السهول الغربيّة المرتفعة لصالح البحث عن الوظائف المكتبيّة. وفي المقابل، تم تحويل مِساحات واسعة من هذه الأراضي إلى أراضٍ سكنيّة. وأدى تمدد المدن بشكل شبه عشوائيّ على الأراضي الزراعيّة إلى خلق واقع يصعب من خلاله إنشاء نظام نقل عام كفوء واقتصاديّ بسبب عدم التخطيط لذلك في أثناء التوسّع، الذي لم يُراعَ فيه وفرة الموارد المائيّة المطلوبة لذلك.
ودعا د. أبو جابر إلى اغتنام الفرص النابعة من إدراك القيادة في الدولة للحاجة إلى حلول تتجاوز تحدّي المحدوديّات البيئيّة، وتبنّي مشروعات كبرى والعمل على تنفيذها بحلول جريئة.
يذكر أنّ كتاب "الأردنّ والتحدّي البيئيّ" يشتمل على تسعة فصول تتناول المناخ حاضرًا وماضيًا؛ الزراعة؛ الإنسان؛ التوسّع العمرانيّ واستخدامات الأراضي؛ المياه؛ الطاقة؛ التغيُّر المناخيّ؛ المشروعات الكبرى؛ مقاربة جديدة؛ إضافة إلى المقدّمة، وقائمة المراجع.
دار نقاش بين د. أبو جابر والحاضرين، أداره الباحث والكاتب المختصّ في شؤون البيئة والتنمية، أ. باتر محمّد علي وردم، حول عدد من القضايا البيئيّة التي تناولها في كتابه، الصادر عن دار الشروق بعمّان بدعمٍ من وزارة الثقافة. وأعقب ذلك حفل توقيع للكتاب.