الصمت إزاء الانتهاكات الإسرائيلية يعد تواطئًا
تترتّب عليه مسؤولية قانونية
عمّان- قال المفكّر والباحث وعضو منتدى الفكر العربيّ د. عبد الحسين شعبان: إنّ ما تعرض له السكان المدنيون الفلسطينيون الأبرياء العُزّل من انتهاكات إسرائيليّة لحقوقهم، خلافًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977، تتحمَّل مسؤوليته إسرائيل باعتبارها دولة احتلال، ومن بعدها المجتمع الدوليّ، ولا سيما القوى المتنفّذة فيه والداعمة لإسرائيل، والمُعرقِلة لأي قرار من مجلس الأمن الدوليّ يدينها ويحمّلها المسؤوليّة.
وأضاف في اللقاء الثالث لنادي الكتاب في المنتدى بعنوان "العدالة الدولية بين الحلم والواقع"، مساء يوم الإثنين 27/6/2011، الذي جرى فيه عرض ومناقشة كتابه الصادر حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت "لائحة اتهام – حلم العدالة الدولية في مقاضاة إسرائيل": إنَّ الصمت إزاء الوضع اللاإنساني لا يعدّ تواطئًا فحسب، بل هو شكل من أشكال التغطية على الجريمة؛ ما يترتّب عليه مسؤوليات قانونية؛ إضافة إلى أن ما حدث من انقسام في الوضع الفلسطينيّ عطَّل مهمة التحرّر الوطني في صراعات لا مبرّر لها ولا معنى، عدا التلكؤ في ملاحقة المرتكبين الإسرائيليين.
وفي تقديمه للقاء أشار أ.د. فايز خصاونة، أمين عام المنتدى بالوكالة، إلى أن الدراسة القانونية التي ضمنها د. عبد الحسين شعبان، تضع سيناريوهات عمليّة لوضع الأمور في نصابها الصحيح، وتنقل الحلم إلى واقع يحتاج إلى التهيئة والاستناد إلى ما يحقق الأهداف، بعيدًا عن الجيشان العاطفي الذي لا يقود إلى شيء في مثل هذه القضية.
ويوضح د. شعبان في كتابه أنه على الرغم من أن وتيرة المطالبة الدولية بالتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في غزة، التي جرى توثيقها من جانب جهات دوليّة عدّة، إلى جانب ما نُقِل عبر الشاشات الزرقاء من وقائع مرعبة لأكثر من (22) يومًا، فإن إسرائيل رفضت إجراء تحقيقات دولية مستقلّة، وحاولت ذرّ الرماد في العيون بإجراء تحقيقات ميدانية سرعان ما أوقفتها، كما رفضت التعاون مع المقرّر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلّة منذ عام 1967؛ ما يدل في الواقع على ازدرائها للأمم المتحدة، وتنكرها لقواعد القانون الدوليّ، وهو الأمر الذي دفعها إلى رفض التعاون مع بعثة التحقيق الدولية التي قررها مجلس الأمن في 12/1/2009.
وفي هذا السياق أشار د. شعبان إلى أن إسرائيل عملت بجهود حثيثة للحيلولة دون محاكمة مقترفي جرائم الحرب الإسرائيليين، مثل بن أليعازر وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق و6 من قيادات إسرائيل، أمام المحاكم الوطنية الإسبانية التي تأخذ بالاختصاص الدولي. وأكد أن مسؤولية المجتمع الدولي تتلخص بمحاكمة المرتكبين، لكي لا يفلتوا من العقاب، وذلك باستخدام جميع الإمكانات المتاحة والآليات المتوافرة، وهو ما تحاول الدراسة أن تبيّنه، فضلاً على إبقاء الحلم قائمًا وعدم تخفيض السقف، بصرف النظر عن المساومات والاتفاقيات السياسية، ما دام بقيت قضية العدالة غائبة ومغيبة.
وتهدف الدراسة أيضًا إلى تحديد مسؤولية مَنْ ساند العدوان ومنح آلة الحرب الإسرائيلية فرصة الالتفاف على العدالة أو الإفلات من قبضتها، والتغوّل على الحقوق الفلسطينية، خاصة بوضع العراقيل أمام إدانة المعتدي، وعدم تنفيذ القرارات الدولية السابقة القاضية بالانسحاب من الأراضي المحتلة أو العمل على تأخير وقف إطلاق النار، أو تبرير العدوان بذريعة الدفاع عن النفس التي لا تنطبق على ممارسات إسرائيل منذ قيامها عام 1948 حتى اليوم، وهو ما سعت الدراسة إلى تبيانه بهدف فضح الحيل القانونية الإسرائيلية والفقه القانوني الإسرائيلي الذي تتعكز عليه.
وتضع الدراسة مسؤولية مواجهة الضغوط الصهيونية – الأمريكية، لا على عاتق الشعوب والدول الأخرى والمجتمع الدوليّ فحسب، بل على عاتق العرب وأصحاب القضية الأساسيين، وبذل الجهود بصورة كافية لتفعيل قرارات القمم العربية التي قضت بملاحقة مقترفي جرائم الحرب "الجناة الإسرائيليون". وقال د. شعبان في هذا المجال: لعل ذلك يقتضي التصديق على ميثاق محكمة روما (المحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2002، ولا سيما بالنسبة للدول العربية الموقِّعة عليه، للتمكّن من طلب التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية على لبنان وغزة. ذلك أن أيًا من الدول العربية والسلطة الفلسطينية لم تتقدم بطلب التحقيق.
يتألف كتاب د. عبد الحسين شعبان من أربعة فصول يبحث فيها فلسفة الحلم في إظهار المعايير والقيم، وتجسيد صورة العدالة، ومن ثم الانتقال إلى الواقع لعرض الوقائع. كما يبحث في موقف القانون الدوليّ من مقاضاة مرتكبي الجرائم الإسرائيليين، وتحديد المسؤولية الدولية إزاء انتهاكات إسرائيل قواعد القانون الدولي، وحيثيات العدوان والجرائم الدولية، وإلقاء الضوء على ادعاءات إسرائيل بشأن الدفاع عن النفس، وخطورة ذلك في ضوء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. ثم يتناول سبل الملاحقة القانونية وخياراتها من خلال الآليات المتاحة والمتوافرة في الوقت الحاضر عبر خمسة خيارات أو سيناريوهات تحقيق العدالة. كذلك إلقاء الضوء على مسألة ما إذا كانت قواعد القانون الدولي تتعارض مع الشرعية الدولية، والإجابة عن سؤال لماذا لا تلتجىء إسرائيل إلى القضاء الدولي.
وألحق المؤلِّف بهذه المباحث أضواء على أربع قضايا يمكن أن تشكّل دليل إحالة جديدًا إلى القضاء الدولي، وهذه القضايا هي: الإتجار بالأعضاء البشرية، والجدار الديمغرافي، تقرير غولدستون والملابسات التي رافقته، وقلق إسرائيل من القانون الدولي.
حضر اللقاء جمهور من القانونيين والدبلوماسيين والكُتّاب، ودار نقاش موسع حول مضمون الكتاب والقضايا التي تناولها.