EN | AR
اللقاء الشهري رقم (2/2010)
موضوع اللقاء: 
السفير الفنزويليّ في الأردن يتحدَّث حول الإرث المعاصر لفكر بوليفار لا بدّ من قاعدة لميثاق اجتماعيّ يشكِّل هذا العالم والعبوديّة يمارسها بعض مَنْ ينادون بالحريّة
المتحدثون: 
سعادة السفير فاوستو فيرنانديس بورهي، سفير الجمهوريّة البوليفاريّة الفنزويليّة في الأردن
مدير اللقاء: 
معالي العين ليلى شرف، عضو المنتدى

عمّان- أوضح سعادة السفير فاوستو فيرنانديس بورهي، سفير الجمهوريّة البوليفاريّة الفنزويليّة في الأردن، أنّ القائد التاريخيّ لتحرير أمريكا اللاتينيّة من الاستعمار ومؤسِّس جمهوريّة كولومبيا الكبرى في القرن التاسع عشر، سيمون بوليفار (1783-1830)، ركَّز في مشروعه التحرّري الاستقلاليّ على "ثورة الكلمة"؛ بمعنى التخلُّص من الماضي والبنى الاستعماريّة لإقامة مجتمع يستند إلى القانون. فإحقاق الحقّ هو الطريق الفعّال والوحيد لتأسيس نظام ديمقراطيّ حقيقيّ؛ ومن خلال السَّير في هذه الطريق تُحطَّم الموانع بين الطبقات الاجتماعيّة.

وأشار السفير الفنزويليّ في محاضرته "تقييم الإرث المعاصر لفكر بوليفار"، باللغة الإنجليزيّة، في اللقاء الشهريّ الثاني لمنتدى الفكر العربيّ لهذا العام (مساء الأربعاء 10/3/2010)، إلى أنّ القوة الأخلاقيّة في البناء الوطنيّ لم تحظَ بالأهميّة التي حظي بها التعليم والثقافة والاتصال. فقد عُدَّ فرض الثقافة السلطة الرابعة في المجتمع بعد السلطات الثلاث.

وأوضح السفير في محاضرته، التي أدارتها معالي العين ليلى شرف، عضو المنتدى، أنَّ حالةً من العبوديّة للطبقة الدنيا لا تزال موجودة، يمارسها أقطاب محليّون. فهنالك أرستقراطيّة الرتبة والمكتب والثروة، لدى متعلّمين وموظفين ورجال دين ومحامين وضباط جيش وأغنياء. وعلى الرغم من أنّ هؤلاء يتكلّمون عن الحريّة والدساتير، فهم يريدون ذلك لأنفسهم وليس للناس جميعًا، ويريدون المساواة أيضًا لكنّهم يعنون المساواة بالطبقات الراقية، وليس الطبقات الأدنى. وعلى الرغم من "تحرّريّتهم"، إلاّ أنّهم لا يزالون يعدّون مَنْ هم في الطبقات الدنيا عبيدًا لهم.

وبيَّن السفير أنّ الحرب التي خاضها بوليفار من أجل الاستقلال كانت أكثر من حرب هدفها تحقيق السيادة السياسيّة والتكامل القارّي. فقد كانت أيضًا حركة اجتماعيّة واسعة نحو التماسك الوطنيّ والرفاهيّة الاجتماعيّة. وإن نظرة هذا القائد والمفكّر ورجل الدولة إلى الحكومة لم تزد على أنّها نظرة إلى الإصلاح الاجتماعيّ. وكان هدفه الاستراتيجيّ إقامة مجتمع بديل، ليس بالضرورة مجتمعًا لاطبقيًّا؛ لكنّه قادر على العيش بتوافق فئاته المختلفة.

كما أنّ بوليفار، في كفاحه لتحرير بوليفيا وكولومبيا والإكوادور وبيرو، إضافة إلى فنزويلا، ومن ثم تأسيس جمهوريّة كولومبيا الكبرى، لم يكن يهدف إلى نكران الهُويّة الوطنيّة لكلّ شعب من شعوب أمريكا اللاتينيّة، وإنّما كان هدفه الاستراتيجيّ ضمان أمن هذه الشعوب جميعها، وتأسيس اتحاد لأمّة فعّالة في أمريكا اللاتينيّة؛ مشيرًا إلى ما أكّده بوليفار عام 1822 من ضرورة تأسيس قاعدة الميثاق الاجتماعيّ، الذي يجب أن يشكِّل هذا العالم، أو أمّة الجمهوريّات التي ستقاوم أمريكا، والتي تكون على قلب واحد وموجّهة بمصباح الحريّة.

وتناول السفير في حديثه العوامل التي وقفت في وجه المشروع الاجتماعيّ الحضاريّ البوليفاريّ، ودور الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى في منع المشروع من النجاح. وقال: إنّ المنظور الأوروبيّ للتشكيل الأمريكيّ اللاتينيّ في كيان جغرافيّ سياسيّ جديد حَرَفَ الصورة في أغلب الأحيان عن موضعها الصحيح، وأدّى إلى منع فهم الطبيعة الضروريّة لأمريكا اللاتينيّة. وتحليلنا يقصد إلى تحدّي الفرضيّات والتفسيرات المقبولة التي تعدّ عمليّة التشكيل تلك عمليّة مستمرة تصبح فيها أمريكا اللاتينيّة فَرْعًا من تاريخ العقليّة الأوروبيّة لدى المؤرخين والمحلّلين السياسيين الغربيين. فالتاريخ دائمًا قيد الإنشاء، وَفْقًا لبصيرة المؤرّخ، وقبل كلّ شيء وَفْقًا لعقيدته.

وأضاف: إنّ وجهات نظرنا تعدّ سلاحًا لنا في ساحة المعركة، وليس بالضرورة آلةً لإدراك الحقيقة. فهدفنا يتجاوز العتبة التقليديّة إلى إضافة القيمة لكفاحنا ضد الامبرياليّة وبناء عالم بديل.

وأوضح في هذا السياق أنّ بوليفار أراد التأسيس لنظام حكمٍ يختلف كليًّا وأبعد بكثير من التصوّرات السابقة للأوروبيّين والأمريكيّين الشماليّين حول التمثيل الديمقراطيّ؛ منبّهًا إلى أنّه في كلّ مرّة نتبنّى المفهوم الغربيّ المهيمن نجد أنفسنا نتخلَّف وراءهم، وننتهي بقبول تخلّفنا إلى الموت. فالأوروبيّون والأمريكيّون الشماليّون، واليابانيّون الذين يحاكونهم فيما يتعلَّق بالدول النامية، أظهروا أنّهم غير قادرين على إدارة العالم. والحقل الوحيد الذي بَرعوا فيه هو التعجيل بنهاية الحياة الإنسانيّة.

وعرض السفير للمفاصل التاريخيّة المهمّة في كفاح أمريكا اللاتينيّة للحصول على استقلالها؛ محلّلاً السياق الدوليّ في ذلك الوقت، مع تحليل طبيعة بعض القوى الاجتماعيّة الداخليّة التي كانت تهدف إلى إخفاء الحقائق لكي تُعيد إنتاج نفسها، وإلى توسيع الفجوة بين البلدان المركزيّة والخارجيّة. وقال: إنّ التاريخ الرسميّ حاول تعليمنا أنّنا "متخلّفون"، لأنّنا لم نستطع تقليد الأوروبيّين والأمريكيّين الشماليّين، ومواجهة التحدّيات الاقتصاديّة وتحديات التنمية الاجتماعيّة بالطريقة نفسها التي واجه بها هؤلاء التحدّيات على أراضيهم. لكن يجب أنْ نحرِّر أنفسنا من منظور المُضطهَد ونزاول طرقنا الأصليّة في الاقتراب من تاريخنا وتنظيمه.

وأشار إلى أنّ النظام الرأسماليّ العالميّ، الذي ساهمت بريطانيا في دعمه، أسَّس لعَلاقة غير متساوية بين البلدان؛ إذ جعل جوهر هذه العلاقة التخصّص في إنتاج المنتجات الأساسيّة؛ ما يعني نقل الفائض الاقتصاديّ من الرأسماليّ في الخارج إلى التشكيلات الاجتماعيّة المركزيّة في الداخل. فمثلاً أدّى استيراد الصابون الأجنبيّ من جانب العوائل الفقيرة في فنزويلا، كما في الهند، إلى تحطيم مصانع الصابون الوطنيّة؛ بل أصبحنا نستورد حتى الشموع من الخارج، ونعتمد على المصالح الأجنبيّة لتجهيز حاجاتنا اليوميّة والحيويّة.

 

 

Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©