EN | AR
اللقاء الشهري رقم (6/2010)
موضوع اللقاء: 
الاختلاف في وجوهِهِ الدّينية والحضارية والإيدولوجيّة
المتحدثون: 
أ.د. ناصيف نصّار، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، والباحث والناقد د. فيصل درّاج من الأردن
مدير اللقاء: 
أ.د. فهمي جدعان، مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدينية

عمّان- عقد المعهد الملكيّ للدّراسات الدينيّة ومنتدى الفكر العربيّ ندوةً مشتركة، مساء يوم الأربعاء 16/6/2010، بعنوان "الاختلاف في وجوهه الدّينيّة والحضاريّة والأيديولوجيّة"، تحدّث فيها أ.د. ناصيف نصّار، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانيّة، والباحث والناقد د. فيصل درّاج من الأردن. وأدار الندوة أ.د. فهمي جدعان، مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدينية.

تناول أ.د. ناصيف نصّار في حديثه منطق الاختلاف في حضارة العالم اليوم؛ مُعتمدًا في بحثه المفهوم الكلّيّ الامتداديّ الذي يعدّ الحضارة وحدة كبرى متميّزة في التاريخ البشريّ. وأوضح أنّ المجتمعات البشريّة تعيش مرحلة انتقال من عالم الحضارت إلى عالم الحضارة الكونيّة الواحدة القائمة على أركانٍ أربعة هي: الرأسماليّة، والعلوم والتكنولوجيا؛ خاصّة تكنولوجيا الاتصالات، وحقوق الإنسان.

وأشار إلى أنّ التعدّد الثقافيّ هو تعدّد للهُويّات التاريخيّة المحكومة بجدليّة التراث والحداثة؛ لكنّها في ظلّ التوحيد الحضاريّ محكومة أوّلاً بمبدأ الصراع من أجل البقاء، وبقاء الثقافة المُنفتحة المُبدعة. وقال: إنّ التوحيد الحضاريّ لشعوب العالم يتعايش مع تعدّدها الثقافيّ. فالثقافة بالمعنى السوسيولوجيّ تتبع منطق التعدّد الوارث لتعدّد الحضارات، وتُعيد إنتاج نفسها داخل حركة التوحيد الحضاريّ وليس ضدّه.
كما أوضح المتحدِّث أنه لا يوجد ضمن جدليّة التوحُّد الحضاريّ والتعدّد الثقافيّ مسوغ كاف للاستثناء. لذلك يشكّل تحويل الاختلاف إلى استثناء مدخلاً إلى ما وصفه بأنّه "طريق مسدود" أو "أزمات بلا حلول"؛ مؤكّدًا ضرورة فَهم العَلمانيّة وتطبيقها بلغة الاختلاف وليس بلغة الاستثناء.

وقال: إنّ التعدّد الثقافيّ لا يقدّم بنفسه أية ضمانة لأية ثقافة. فالقضيّة هي قضيّة صناعة وإبداع، شرطهما الحريّة، وإلاّ فالجمود والتخلُّف والانقراض. وأنّ تصادم الثقافات أمر ممكن؛ كذلك علاقات الهيمنة بين الثقافات بسبب التفاوت فيما بينها. فالقضيّة هي قضيّة إدارة الاختلاف وليست قضيّة طبيعة حتميّة. والإدارة الناجحة هي الإدارة الخلاّقة وليس إدارة التسويات.
وأضاف: إنّ هذه الأفكار تكفي لتحديد موقع الثقافة العربيّة في عالم الحضارة في الزمن الحالي بدقّة، عادًّا أنّ الحضارة العربيّة المستقلّة قد أصبحت من عالم الماضي؛ فيما الثقافة العربيّة ما تزال من الثقافات الحيّة التي يمكنها أن تستمرّ وأنْ تُسهم في بناء الحضارة الكونيّة الواحدة.

وأشار د. ناصيف إلى أنّ ثمّة استراتيجيّات عدّة ممكنة من أجل نهضة عربيّة ثانية بحسب الميادين (الفكر الدّينيّ؛ الفلسفة؛ الأدب؛ العلوم؛ الفنون؛ التربية؛ الإعلام ... إلخ)؛ لكنّ هذه الاستراتيجيّات لن يستقيم أمرها إلاّ على أساس شرطين هما: مقاومة الخوف والتبعيّة والانغلاق؛ وتعزيز ثقافة الحريّة والعقل والعدل.

من جانبه، أشار د. فيصل درّاج إلى أنّ مفهوم الإيديولوجيا يثير في شكله السائد موضوع الوعي الزّائف في مواجهة الوعي الحقيقيّ، والوعي المقلوب في مواجهة الوعي السويّ، وما سمّاه "الغرفة السوداء" التي تستبدل بالموضوعات الفعليّة موضوعات متوهَّمة. وقال: يمكن الأخذ بافتراض عام يقول: إنّ الإيديولوجيا هي جملة أفكار تصوغ حياة الإنسان اليوميّة في بُعديها النظريّ والعمليّ، وتُقنعه بأنها تجيب عن أسئلته المتنوّعة وأنّها تأخذ بيده إلى غاياته القريبة والبعيدة. وتنقسم الإيديولوجيا إلى إيديولوجيا نظريّة تصوغ فكريًّا أسئلة الإنسان وآفاقه، وإلى إيديولوجيا عمليّة تلازمه وهو يختار حاجاته ويقوم بتحقيقها.

ورأى د. درّاج أنّ الإيديولوجيا في كلا الحالين ترتبط بالحياة، وعزا الوهم الذاتيّ، الذي يتاخم الكذب الصريح أحيانًا مما لجأت إليه في الماضي وتلجأ إليه في الحاضر بعض السلطات السياسيّة، تعبير عن غياب التطابق بين جديد الحياة وإيديولوجيات متقادمة لا تستطيع أن تُجيب عن أسئلته.

وحول العَلاقة بين الأيديولوجيا والتاريخ، أشار إلى أنّ لا إيديولوجيا فوق التاريخ، أو إلى جانبه ما دامت الإيديولوجيا استجابة لحاجات إنسانيّة لا سبيل إلى ثباتها. كذلك، لا إمكانيّة لإيديولوجيا كونيّة؛ لأنّ حاجات الشعوب المختلفة غير متماثلة.

وتناول المتحدّث موضوع الإيديولوجيا والوظيفة الاجتماعيّة؛ موضحًا أنّ الإيديولوجيا لا تولد جاهزة. فهي تستجيب لحاجة أو حاجات قبل أن يدفعها التمايز الاجتماعيّ إلى وضع جديد. وفي صورة مختلفة، فإنّ الوظيفة الاجتماعيّة للإيديولوجيا، بالمعنى السياسيّ، يتكشَّف معناها في صراعها مع إيديولوجيّات أخرى، أو في اختلافها معها. ويرتبط ما قبل الإيديولوجيّ بالفترة التي تسبق مرحلة التقسيم الاجتماعيّ للعمل؛ حيث لا انفصال بين العمل الذهنيّ والعمل اليدويّ، ولا بين معنى الحاجة والشروط التي تسمح بتلبيتها.

كما تناول صلة الإيديولوجيا بالحداثة الاجتماعيّة، التي تتضمّن تمايزًا بأشكال مختلفة اجتماعيًّا؛ ومن ثم طبقيًّا. وقال: إنّ الطبقات لا توجد فرادى، بل توجد – نظريًّا على الأقلّ – في صراعها، كذلك حال الإيديولوجيّات التي تتعرّف بنقائصها قبل أن تتعرّف بعناصرها الذّاتية، ذلك أن الإيديولوجيّات هي – نظريًّا - الصراع الاجتماعيّ الإيديولوجيّ، الذي يسوّغ وجود الإيديولوجيّات ويعطيها وظيفتها الاجتماعيّة في آثارها الفاعلة، أو يهمّش بعضها وَفْقًا للسياق الاجتماعيّ.

وأضاف: إنّ ما قبل الإيديولوجيّ الذي وُجد في المجتمعات ما قبل الحداثيّة هو الدّين، الذي يتحوّل إلى إيديولوجيا حين تستعمله السلطات السياسيّة لأسباب مختلفة.

وقسَّم د. درّاج أشكال النزوعات الإيديولوجيّة إلى ثلاثة أشكال تخلق مقدّسًا خاصًّا بها دينيًّا أو دنيويًّا، بدءًا من الدفاع عن رسالة إلهيّة، وصولاً إلى إيديولوجيا السوق والفرديّة والليبراليّة. وترى كلّ إيديولوجيا وظيفتها في هزيمة غيرها أو إخضاعها. وضرب على ذلك مثالاً من حال العَلاقة بين الإيديولوجيا الشيوعيّة والإيديولوجيا الاشتراكيّة الإصلاحيّة خلال فترات متعدّدة من القرن العشرين. أما الشكل الثالث فهو اختراع الأنا واختراع الآخر بما يُسبغ شرعيّة كاملة على الأنا، وينزع عن الآخر كل شرعيّة محتَمَلة.
وقال: إنّ الاختلاف الإيديولوجيّ يحتمل أشكالاً متعدّدة، مثل الاختلاف والتباين، والنّبذ، والنّقض، والصراع؛ وصولاً إلى الإلغاء والتصفية الجسديّة. وشرح من خلال بعض الأمثلة - من التجربة الستالينيّة، والتجربة الناصريّة، والحركات المتطرّفة - ظواهر هذا الاختلاف، الذي يبدأ من حيّز الفكر ومقولاته وأدواته، وينتهي إلى العقاب والإلغاء.

واختتم حديثه بالقول: إذا كان الاختلاف إنسانيًّا، فإنّ السعي إلى الاتفاق إنسانيّ أيضًا في ميدان الإيديولوجيا وخارجه. والأساسيّ في تجسير المسافة بين الاختلاف والاتفاق يقضي بالاعتراف المُتبَادَل بين البشر في نزوعاتهم ومعتقداتهم الفكريّة المختلفة، لا بالتسامح كما يُقال؛ لأنّ في التسامح ما يوحي بعدم المساواة بين البشر، كما لو كان هناك متسامحون وغير متسامحين، وهو سؤال زائف لا معنى له.

شهدت النّدوة نقاشًا حول قضايا متعدّدة في موضوع الاختلاف في الجوانب الدينيّة والحضاريّة والإيديولوجيّة، شارك فيه أكاديميّون ومتخصّصون.

 

 

Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©