EN | AR
اللقاء الشهري رقم (1/2011)
موضوع اللقاء: 
دور المفكّرين العرب المسيحيّين في نشأة الفكر القوميّ
المتحدثون: 
الدّكتورة فدوى نصيرات، الأستاذة المساعدة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر بجامعة فيلادلفيا
مدير اللقاء: 
الأستاذ الدّكتور كامل أبو جابر، مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدّينيّة

عمّان- تناولت الدّكتورة فدوى نصيرات، الأستاذة المساعدة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر بجامعة فيلادلفيا، دور المفكّرين العرب المسيحيّين في بلورة فكرة القومية العربيّة، والانتقال بهذه الفكرة من التّنظير إلى حيز التّنفيذ في بلاد الشام ومصر1840-1918. وأوضحت في محاضرتها، التي قدّمتها في اللقاء الشهريّ الأوّل لهذا العام، في منتدى الفكر العربيّ، مساء الأربعاء 26/1/2011، أنّ هؤلاء شكّلوا الطّلائع الأولى في سياق نشأة الفكر القوميّ العربيّ بحكم اتصالهم المبكّر بالغرب، وما كان يشهده من تحوّلات جوهريّة نحو الفكر القوميّ.

أدار اللقاء الأستاذ الدّكتور كامل أبو جابر، مدير المعهد الملكيّ للدراسات الدّينيّة، الذي قال في تقديمه: إن إشكاليّة الوجود المسيحيّ في الوطن العربيّ المُثارة الآن هي مسألة تهمّ المسلمين بقدر ما تهمّ المسيحيّين أنفسهم، خاصّة في ظلّ الزلازل السياسيّة التي أصابت الوطن العربيّ منذ حملة نابليون في نهاية القرن الثامن عشر، والصراع مع إسرائيل، وهجرة المسيحيّين المتزايدة خلال العقود الأخيرة من فلسطين والعراق؛ مؤكّدًا أنّ هذه المسألة قضيّة من قضايا الحضارة العربيّة الإسلاميّة، التي كُرِّم فيها المسيحيّون، سواء من خلال النصوص الإسلاميّة المقدّسة، أو المعاملة، أو المشاركة في ميادين الحضارة. وحذَّر د. أبو جابر من محاولات تفريغ المنطقة العربيّة من مسيحيّيها؛ ومن ثمّ تصوير الصراع الدائر بين العرب وإسرائيل على أنّه صراع إسلاميّ يهوديّ فحسب، وتذويب الهُويّة العربيّة للمسيحيّين في أتون الغرب.

  وتحدَّثت دة. فدوى نصيرات عن أوضاع المسيحيّين العرب في ظلّ الحكم العثمانيّ 1516-1918، ودور رجال النهضة من أمثال بطرس البستاني وابراهيم اليازجي في بعث الحياة في تراث العرب الثّقافيّ وبذر بذور الوطنيّة الأولى، التي تحوّلت فيما بعد إلى حركة قوميّة.

كما تحدّثت عن دور الإرساليّات التبشيريّة وأثرها في تعلُّم المسيحيّين العرب اللغات الأوروبيّة والعلوم الحديثة، وتخريج طبقة من المدنيّين المثقّفين الذين تشرّبوا الحضارة الغربيّة، وأضحوا من مروّجي فكرة الإصلاح في الشرق؛ الأمر الذي كان منطلقًا لتكوين اتجاه فكريّ سياسيّ أخذ ينمو عبر الجمعيّات والمجلاّت والصّحف، وتميّز بطرح الفكر القوميّ والدعوات الليبراليّة والعَلمانيّة.
وبيّنَت دة. نصيرات أنّ حالة يقظة الوعي القوميّ لدى المسيحيّين العرب اتّسمت بطول الفترة الزمنيّة والاستمرار، وعبّرت عن نفسها خلال القرن التّاسع عشر على جميع المستويات الثّقافيّة، والسّياسيّة، والاجتماعيّة، والتّعليميّة، والاقتصاديّة. وركّزت في هذا السياق على دور الجمعيّات الثّقافيّة والنوادي الأدبيّة، التي أدّت دورًا سياسيًّا واجتماعيًّا مهمًّا؛ إذ تدرَّب المثقّفون العرب من خلالها على الحياة البرلمانيّة ونُظُمها، وساعدَ وجود هذه الجمعيّات والنوادي على نشر أفكار ودعوات جريئة حول الإصلاح وأنظمة الحكم.

كما ساهمت الصّحافة، التي نهض بها المسيحيّون العرب، في تطور الوعي القوميّ؛ مُكملةً بذلك الدّور الذي بدأته الجمعيّات. فدعت إلى إحياء اللغة العربيّة وضرورة التمسُّك بها، والعمل على جعلها لغةً عصريّة تواكب العلم الحديث. وتغنَّت بأمجاد الجنس العربيّ، وفاخرت به وبأخلاقه المميّزة. كذلك دَعَتْ إلى الألفة والتّضامن بين أفراد المجتمع، ورفعت كثير من الصحف العربيّة شعار حبّ الوطن من الإيمان، ونادت بضرورة تعليم المرأة، والأخذ بأسباب تقدّم الأمم والمدنيّة الحديثة، وتوحيد الأمّة ومساعدتها على تأدية رسالتها الإنسانيّة، والتكافل الاجتماعيّ بين المسلمين والمسيحيّين.

وكان للتأليف في اللغة والأدب والنّقد والبلاغة دور واضح في العناية باللغة بوصفها أداةً لتنبيه الوعي القوميّ وإبراز أحد أهمّ مقوّمات الأمّة العربيّة وهُويّتها. ورصدت المُحاضِرة أبرز الموضوعات القوميّة التي تطرّق إليها الكُتَّاب المسيحيّون العروبيّون في عصر النّهضة، والتي تمثّلت في التّركيز على اللغة العربيّة وحدةً جامعة للعرب، وإحياء التّراث العربيّ والتغنّي بالأمجاد الحضاريّة العربيّة، والمطالبة بخلافة عربيّة، والتلازم بين الإسلام والعروبة، والدّعوة إلى التمرّد على الدّولة العثمانيّة. فيما دعا التيّار العروبيّ العَلمانيّ إلى فصل الدّين عن الدّولة، والحكم الدّيمقراطيّ الحرّ، والحريّة، والتمدّن. ودعا التيّار العروبيّ الاشتراكيّ إلى إنصاف الطّبقات الاجتماعيّة الفقيرة والعدالة الاجتماعيّة والمساواة.

وحول دور المسيحيّين العرب في الثّورة العربيّة الكبرى، أشارت المُحاضِرة إلى أنّ العرب، مسلمين ومسيحيّين، تجاوزوا بإعلان الثّورة عام 1916 مرحلة الأفكار النظريّة إلى مرحلة العمل الجاد؛ إذ وحدهم الهدف. فكان موقف المسيحيّين العرب من الثّورة شأنه شأن موقف المسلمين. وقد ظهر ذلك جليًّا في الأشعار والقصائد التي قالها الشعراء المسيحيّون في الحضّ على الثورة، وتمجيد شهدء 6 أيّار/ مايو 1916، والتغنّي بالقوميّة العربيّة، وإعلان تأييدهم لقيام الثورة، ومدح قائدها الشريف الحسين بن علي.

حضر اللقاء عددٌ من الأكاديميّين والمهتمّين وأعضاء المنتدى. ودارَ نقاش حول قضايا مختلفة تتعلّق بموضوع المحاضَرة.

 



Printer Friendly and PDF
تصميم وتطوير شركة الشعاع الازرق لحلول البرمجيات جميع الحقوق محفوظة ©