عمّان- بيّن أستاذ الفلسفة في الجامعة الأمريكيّة ببيروت ومعهد القديس يوحنا الدّمشقيّ اللاهوتيّ/ جامعة البلمند، الأستاذ الدكتور أديب صعب، بطلان تلك النظرة القائلة بأنّ العقل العربيّ لم يُستعمَل أبدًا، وقال: إنّ هذه النظرة، التي نقدّر أنها نشأت في أوساط جامعيّة عربيّة ذات صلة بالغرب تُعدّ مغالطة منطقيّة قائمة على المبالغة والتعميم.
وأضاف في محاضرته "التّفكير النّقديّ"، التي دعا إليها مركز الدراسات المسكونيّة ومنتدى الفكر العربيّ في اللقاء الشهريّ الثاني لهذا العام، مساء الأربعاء 23/2/2011: إنّ البرنامج النهضويّ الطّموح الذي رسمه النّهضويّون العرب في القرن التاسع عشر وشرعوا في تحقيقه سرعان ما شهدَ انتكاسًا تلوَ الآخر.
أشار المُحاضر، في اللقاء الذي أداره الأستاذ الدكتور سلمان البدور، أستاذ الفلسفة في الجامعة الأردنيّة، إلى أنّ أحد العوامل الرئيسيّة لركود الفكر العربيّ يتمثَّل في أنّ بعض الكتب العربيّة ما تزال تتعرض للمنع، كما يتعرّض مؤلِّفوها للاضطهاد المعنويّ والجسديّ.
ودعا إلى مواجهة هذا التهديد الظاهر والكامن، دينيًا واجتماعيًا وسياسيًا، والتأكّد منه من خلال إجراء دراسات صارمة مسؤولة حول وضع الإنسانيّات في الثقافة العربيّة الرّاهنة، تتناول المنشورات على مختلف أنواعها من كتب ومجلاّت ومحاضرات ومقالات ورسائل جامعيّة، وما إلى ذلك، مع التركيز على سماتها النقديّة والمنطقيّة والمنهجيّة والإبداعيّة.
وانتقد الأستاذ الدكتور أديب صعب قصور التأليف العربيّ عما نراه في البلدان المتطوّرة، وغياب المقاييس الجامعيّة الصارمة ومؤسسات البحوث الرّصينة، وطغيان النبرة الخطابيّة الإنشائيّة على الكُتَّاب الجامعيّين ولجوء كثير منهم إلى نقل الكتب التعليميّة عن الكتب الغربيّة بلغة عربيّة رديئة، وبلا تدقيق في المصادر؛ بل النّقل الحرفيّ عن كتب الغربيّين من دون إشارة إلى ذلك، وعدم تطويع اللغة العربيّة للتأليف الجدّي في العلوم الاجتماعيّة والسلوكيّة والميادين العلميّة عمومًا.
كما أشار إلى أنّ العائق الأكبر عن دخول العرب عصر العلم والحداثة هو القصور الواضح في الأنظمة التعليميّة واعتمادها على الحفظ والتلقين، لكن من دون منهج علميّ، كما سبق أن أوضح المفكِّر والفيلسوف المصريّ المرحوم زكي نجيب محمود. وقال: إنّ ضعف التفكير النقديّ في واقعنا العربيّ الرّاهن يعود إلى قبول المسلّمات من دون تساؤل والنّظر إليها كما لو كانت "واضحة وضوح الشمس" و"لا يختلف عليها اثنان"، والرضوخ لقوى الأمر الواقع الدّينيّة والسياسيّة والتعليميّة والإعلاميّة وسواها رضوخًا أعمى، والابتعاد عن النّقد لإساءة فهمه على أنه رفض للعقائد والقيم الموروثة، وربطه باعتبارات شخصيّة.
وقدم المحاضر في هذا المجال عددًا من الأمثلة على مسائل في الفكر الدّينيّ والتفكير النّقديّ في مسألة العلم والدّين.
وكان أمين عام المنتدى بالوكالة الأستاذ الدكتور فايز خصاونة قد رحَّب بالمحاضر في بداية اللقاء؛ مُشيرًا إلى موضوع التفكير النّقديّ وضرورة إعطائه ما يستحق من اهتمام في الحياة العربيّة.
حضر اللقاء جمهور من المثقفين والشباب والمهتمّين وعددٌ من أعضاء المنتدى ومركز الدراسات المسكونيّة.